للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المرادي، إنما هو حليف لمراد١ وكان الحطيئة الشاعر إذا غضب على بني عبس يقول: أنا من ذهل، وإذا غضب على ذهل قال: أنا من بني عبس٢. ولقد كانت المرأة تطلَّق من زوجها، وهي حامل، أو يموت عنها فتتزوّج رجلًا آخر فتلد مولودها في بيته فيسمى به، وكثير من قبائل العرب انتسبوا إلى حاضنهم وإلى رابهم "زوج أمهم"٣ وكان من تبنى رجلًا في الجاهلية دعاه الناس إليه، وورث ميراثه، حتى جاء الإسلام وأنزل الله تعالى قوله: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} [الأحزاب] ٤.

وهكذا كان أمر تقرير الأنسباب وبخاصّة الأنساب البعيدة، أمرًا بالغ الصعوبة. على أن سلامة النسب وصراحته إنما تكون في القبائل المتبدية أكثر منها في القبائل التي تعيش في مناطق الحضارة وتجاور الأمم الأخرى، وذلك لبعد القبائل المتبدية عن الاختلاط والتصاهر والانصهار. واعتبر ذلك من مضر في قريش وكنانة وثقيف وأسد وهذيل ومن جاورهم من خزاعة؛ لما كانوا أهل شظف ومواطن غير ذات زرع، فكانت أنسابهم صريحة محفوظة ولم يدخلها اختلاط ولا عرف فيهم شوب٥. وهكذا يقرر ابن خلدون. وإن كان الاختلاط موجودًا في مثل هذه الحالات بنسبة ضئيلة.

على أنه مهما في الأنساب من الشك - فإنه إذا وجدت ثمرات النسب فكأنه وجد؛ لأنه لا معنى لكون الفرد من هؤلاء أو من هؤلاء؛ إلا جريان أحكامهم وأحوالهم عليه وكأنه التحم بهم٦. وسواء أصحت الأنساب أم لم تصح فقد اعتنقها العرب، ولا سيما متأخروهم، وبنوا عليها عصبيتهم. وقد جاء الإسلام وكان قد تم اعتقاد العرب أنهم في أنسابهم يرجعون إلى أصول ثلاثة: مضر، وربيعة، واليمن٧.


١ الروض الأنف ١/ ٣٩.
٢ الأغاني ٢/ ١٥٨.
٣ نفسه ٥/ ٢-٤.
٤ الروض الأنف ١/ ١٣، ١٦، البخاري ٥/ ٨٢.
٥- المقدمة ١٤٥.
٦ المقدمة ١٤٦.
٧ فجر الإسلام ص ٨٠.

<<  <   >  >>