للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخرى عن طريق الحلف أو الجوار، ثم لا تلبث أن تندمج فيها وتنتسب إليها، ثم قد يطرأ لها ما يجعلها تخرج عنها إلى أخرى فتعدل نسبها إليها١، كذلك كان يحدث أن تهاجر بعض البطون من قبائل متعددة ثم تلتقي في مكان واحد فيجمعها الجوار وتربط بينها المصلحة المشتركة، وقد يكون بعضها من الشمال وبعضها من الجنوب، ثم يقع بينها الحلف فتصبح قبيلة واحدة، قد تتخذ اسمها من المكان أو الإقامة أو التجمع، كما تكونت قبيلة تنّوخ على أطراف العراق٢. وقد يختلط الأمر على النسابين حين تتشابه أسماء القبائل وتتعدد هجراتها فينسبون إلى الشمال قبائل من الجنوب وينسبون إلى الجنوب قبائل من الشمال، ويقع لذلك بينهم كثير من الخلاف٣.

وكما كانت الحركة نشيطة بين القبائل كانت كذلك أشدّ نشاطًا بين الأفراد٤، فلم تكن تبعية الأفراد للقبائل، في مثل الصرامة التي استقرت في الأذهان ولم تكن نسبة الفرد إلى قبيلته هذه النسبة الحادة التي لا تعرف التحول ولا تستطيع الإفلات؛ وإنما يبدو أنه كانت هناك حرية واسعة يستطيع معها الأفراد من قبيلة أن يغادورها إلى قبيلة أخرى، فينزلون عليها وينتمون إليها ويبنون بنساء منها وتكون لهم هذه القبيلة مجتمعًا جديدًا، ويختلط بنوهم بنسبها، وأكبر مَثَلٌ لذلك شأن قبيلة بجيلة حين ولّى عليهم الخليفة عمر "عرفجة بن هرثمة" فسألوه الإعفاء منه، وقالوا: هو فينا لصيق، أي دخيل، وطلبوا أن يولي عليهم جرير بن عبد الله٥، فسأل عمر عن ذلك فقال عرفجة: "صدقوا يا أمير المؤمنين، أنا رجل من الأزد أصبت أدمًا في قومي ولحقت بهم" فانظر كيف اختلط عرفجة ببجيلة ولبس جلدتهم ودعي بنسبهم حتى رشح للرياسة عليهم لولا علم بعضهم بوشائجه، ولو غفلوا عن ذلك وامتد الزمن لتنوسي، وعدّ منهم بكل وجه ومذهب٦، وكذلك الحال في أمر قيس بن مكشوح


١ الأغاني ٤/ ٣٦٧- ٣٦٨.
٢ بروكلمان، تاريخ الأدب العربي ص ١٢٤.
٣ ابن هشام ١/ ٥-١٢، الأغاني ٤/ ٣٠٣- ٣٠٧. القلقشندي نهاية الأرب عن بجيلة ص ١٧١ وعن خثعم ص ٢٤٣. صبح الأعشى ١/ ٣٢٩- ٣٣٠. الروض الأنف ١/ ٦٠.
٤ ابن الأثير ١/ ٣٣٩- ٣٤٣.
٥- الطبري ٢/ ٦٤٦.
٦ ابن خلدون، المقدمة ١٤٧.

<<  <   >  >>