ولكن نظرة إلى أنساب العرب تنقض هذا القول فإن العرب ذكروا نسب المرء لأمّه كما ذكروه لأبيه، ونجد زواجًا كثيرًا وقع بين الأقارب والقريبات من بنات العم، وليس هذا في الجاهلية القريبة فحسب، وإنما هو موجود في الجاهلية البعيدة؛ الأمر الذي ينقض نظرية الطوطمية في هذا الموضوع. ثم إن العرب لم يكونوا يتجافون عن زواج القريبات تحت تأثير الفكرة الطوطمية وإنما كان ذلك تحت تأثير فكرة الوراثة التي تقول أن التزاوج بين الأقارب يورث الأولاد أضعف صفات النوع.
قال الشاعر العربي:
تجاوزت بنت العم وهي حبيبة ... مخافة أن تُضْوِي على وليدي
على أن التصنيف المعروف للقبائل العربية هو حاصل عرف جرى عليه النسابون. ونحن لا نعرف تدوينًا للأنساب عند أهل الجاهلية، وإن عرفنا أناسًا اشتهروا بمعرفة النسب في الجاهلية وفي أول الإسلام من أمثال أبي بكر الصديق وغيره؛ وإنما نعرف أن أول تدوين رسمي هو التدوين الذي تم في زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب حين وضع ديوان الجيش، وظهرت الحاجة إلى تسجيل القبائل فسجلت، ولم تصل إلينا -ويا للأسف- سجلات هذا الديوان، ولم يصرح أحد من النسابين أنه أخذ مادة أنسابه من تلك السجلات. وإنما الذي بين أيدينا هو خلاصة وجهة نظر النسابين في أنساب القبائل، وعلى
هذا التقسيم اعتمد المعنيون بهذا الموضوع.
على أن أمر تقدير النسب في حد ذاته أمر بالغ غاية الصعوبة، وذلك لما يعرض له من التداخل، نتيجة للظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي كانت تحياها القبائل العربية. فلم يكن المجتمع العربي من التحاجز والتباعد بحيث تعيش كل قبيلة منفصلة عن غيرها في إطارها الخاص وفي جوها المتميز، ولا يكاد يكون بينها وبين غيرها إلا الغارات أو الحذر من الغارات؛ وإنما كان هناك حركة دائمة تسوق هذه القبائل وتقارب بينها، فإن القبائل كانت متصلة متداخلة وكانت كذلك متحركة متقلقلة لا تكاد تتخذ شكلًا معينًا حتى يعرض لها من ضرورات الصلة ومصالح الجوار ومؤالفة المجتمع ما يضطرها إلى أن تنصهر أو تندغم في قالب جديد، فكثيرًا ما كانت بطون من القبائل تضطرها الظروف الاجتماعية أو الاقتصادية إلى أن تفارق قبائلها وتتصل بقبائل