دون أن تحقّق شيئًا. وكما أن البدوي يعمل فرديًّا، كذلك كانت البطون فرديةعند اشتباك القبائل؛ فقد يرتدّ بطن من المعركة أو قد يتركها قبل أن تتمّ.
ولمحاربة هذه العادات عند العرب احتاج تدريبهم في أيام النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى استغلال العاطفة الدينية، فزخر القرآن بالآيات المنظمة للقتال، وتفضيل التراص في الحرب على الفردية {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ}[الصف] .
والمحذرة من عدم الصبر والهزيمة عند استمرار القتال، كما توعد المخالفين للأوامر والفارّين عند اللقاء بالعذاب الشديد، كما ندّد بدعاة الهزيمة والمتخاذلين الذين يعتذرون بشتىّ الأعذار عند رؤية العدو١.
ولقد كانت الحروب التي وقعت في أيام النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي حروب الردّة فرصة طيبة لتعويد العرب التنظيم الحربيّ وخوض المعارك الكبيرة، وتدريب القادة؛ حتى إذا ما اندفع العرب إلى المجال الخارجيّ أيام الفتوح بعد انتهاء حروب الردّة، كان الجنديّ العربي أكثر قدرة على القتال من عدوِّه الفارسيّ أو الروميّ؛ ذلك لأن خشونة البدو وروح المغامرة مع الحذر المتأصِّلة فيهم انضاف إليها التدريب والتنظيم، فكانوا قوةً ساحقةً لم تستطع جيوش فارس والروم الوقوف في وجهها.
٢- الجيش عند القبائل:
لم يكن لدى القبائل جنود نظاميون مدرّبون؛ وإنما كان كل فرد من رجال القبيلة متمكنًا وذا قدرة على القتال، جنديًا محاربًا عليه تلبية النداء حين يدعي إلى الدفاع عن قبيلته أو لغزو قبيلة أخرى وكانت العصبية تدعو العربي إلى الوقوف في صفوف عشيرته إذا كانت القبيلة تقاتل قبيلةً أخرى وفي صفوف قبيلته إذا كان هناك قتال تشترك فيه قبائل متعددة. هذا في القبائل المتبدية. أمّا في أماكن الحضارة والاستقرار كما هو الحال في اليمن أو في الحيرة أو عند الغساسنة -فقد كانت المشيخات أو الإمارات تعتمد في الدفاع أو الهجوم على قبائلها، كما كان على القبائل أن تقدّم للملك عددًا معينًا من الرجال للخدمة العسكرية، كما هو الحال في المنطقة الغربية الجنوبية.
١ انظر سورة آل عمران ١٣٩- ١٧٠، النساء ٧١- ٧٢، ١٠٤، التوبة ٣٥- ٣٨، ٤١، ٩٤، الأنفال ٢-١٢، النحل ٩٢، الفتح ١٦، الأحزاب ١٢- ١٦.