للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"مملكة اليمن" أو في مملكة الحيرة، ومن هؤلاء يتألف الجيش النظامي للدولة وهو جيش دائم يُستخدم في السلم والحرب، أما في أيام الحروب فتشترك القبائل المتحالفة والمؤيدة للدولة كلها في الحرب، وقد حدث في أيام النبي -صلى الله عليه وسلم- كما حدث في حروب الردة، وكذلك في الفتوح الإسلامية، ولقد كانت القبائل تقاتل تحت رايتها متساندةً تحت إمرة رجال منهم يخضعون للقيادة العامة.

على أن العرب قد عرفوا علم الحرب كما علمته دول الحضارة في عصور الجاهليةالعربية؛ فقد كانت غسان على مقربة من الروم وكانت تدخل معهم في الفِرق المتطوعة على حالي الدفاع والهجوم، وكذلك كان ملوك الحيرة على مقربة من الفرس يشاركون في تكوين جيوشهم وفي حروبهم، وكان لملك الحيرة فرقتان إحداهما هي الشهباء والأخرى عربية تحمل شعار الدولة الفارسية "الأسدان" وتسمى به "الدوسر"١. والعربيّ لا يحتاج إلى أكثر من هذه المقاربة وهذه القدوة لالتقاط الفنون التي يحتاج إليها في تعبئة الجيوش، وللفطنة إلى المخاوف التي يتقيها في مواجهة التعبئة النظامية من جانب دول الحضارة، وقد تبين هذا فعلًا في موقعة ذي قار التي تغلب العرب على الفرس فيها٢.

وقد كان العرب في هذه الموقعة أبرع قيادة وأخبر بفنون الزحف والتبعئة من قادة الجيوش النظامية، فلم يغفلوا قطّ عن حيطة واجبة أو حيلة نافعة قبل اشتباكهم بالجيوش الفارسية؛ بعثوا الطلائع وبثوا العيون وقسموا جموعهم إلى ميمنة يتولاها بنو عجل، وميسرة يتولاها بنو شيبان، وقلب تولته بطون من بكر بن وائل عليهم رئيسهم هانئ بن مسعود. وحاولوا إفساد الموقف على العدو بضمّ بعض القبائل الموالية له، وهي قبيلة إياد التي اتفقوا معها سرًّا على أن تنهزم عند اللقاء. ففرت في الميعاد المتفق عليه. كما كانوا يتشاورون في المواقف، وعرفوا كذلك نظام الكراديس والكمائن، ولم يغفلوا عن حمية الجند والفرسان يلهبونها للمجازفة بالحياة والأنفة من طلب النجاة، وهو ما نسميه بالروح المعنوية.


١ النويري ١٥/ ٤٣٢.
٢ ابن الأثير ١/ ١٨٩- ٢٩١، النويري ١٥/ ٤٣٢.

<<  <   >  >>