هذا الجو المتغلغل اعتبرت عالة وتبرم بها الناس وبميلادها {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[النحل] وقد بلغ الأمر ببعضهم فعلًا أن يدسها في التراب؛ فقد كان الجفاة من فقراء الأعراب يئدون بناتهم كراهية أن تشاركهم في طعامهم؛ لشدة الفقر أو كراهية أن تتعرض للسبي والمعرة في حالة الضعف.
ثم الجهات الحضرية في الواحات التي تكثر فيها الينابيع والأودية وتنمو فيها أشجار الفاكهة والنخيل والحبوب، وفي المحطات التجارية التي كانت تقوم فيها القرى والمدن، وتستقر الحياة معتمدة على نتاج الأرض أو ما تجلبه التجارة من الرزق.
ولفقر البادية وضآلة مواردها اضطر الأعرابي إلى التفتيش عن رزقه بالغزو؛ ولهذا لافت القرى والمواقع الخصبة خاصة عنتًا شديدًا من الأعراب، الذين أصبحوا ذوي بأس شديد لتعودهم على مثل هذه الغارات وتخصصهم في سرعة المباغتة والفرار، ولما لم تكن هناك حكومات كبيرة تدفع الأذى عن المتحضرين وتكبح جماح البدو، فقد اضطر هؤلاء إلى مصانعة القبائل البدوية بدفع الإتاوات لها مقابل عدم التحرش بهم, ولحماية قطعانهم ومساكنهم, ولتمرير قوافلهم آمنة من القبائل الطامعة في الربح السهل عن طريق الغزو. وقد كانت هذه الإتاوات مصدر دخل ثابت لكثير من البدو في كثير من الأحيان، كما كان رؤساء القبائل القوية يفرضون أحيانًا إتاوات على القبائل الصغيرة الخاضعة لهم، وكان هذا مصدرًا من مصادر التذمر والحروب إذا اشتط بعضهم في جمعها، وقد كانت القبائل تدفعها مكرهة, مقهورة حتى إذا وجدت فرصة أو ظروفًا مناسبة تساعدها على التخلص من ذلك انتهزتها ولو عن طريق الاغتيال والقتل، كما حدث لزهير بن جذيمة العبسي، فقد كانت هوازن تدفع له إتاوة، فلما عنف عليها في جمعها ووجدت فرصة مناسبة تمكنت فيها منه قتلته١.
والمجتمع القبلي بوجه عام -من وجهة النظر الاقتصادية- مجتمع بسيط التكوين يتألف من طبقتين اقتصاديتين: طبقة أصحاب الأموال من التجار وأصحاب الإبل الذين تتركز في أيديهم الثروة وتتحكم أموالهم في الحياة الاقتصادية. وطبقة