الفقراء الذين لم يستطعيوا المشاركة في النشاط التجاري الجارف في المدن، والذين أوصدت طبيعة الحياة الرعوية في مجتمع البادية أبواب الثراء في وجوههم. وقد كانت الملكية تنقسم إلى قسمين: ملكية ثابتة وهي الأراضي والدور. والأراضي في الواحات الزراعية يملكها الأفراد ملكية خاصة، أما أرض المراعي الصحراوية فملكيتها شائعة للقبيلة كلها، أو هي للأقوى وللأسبق عليها. وأما الدور فهي في المدن ملكية ثابتة تباع وتكرى وتوهب، وعند البدوي لا توجد المباني؛ وإنما تقوم الخيام، وكل يملك خيمته التي ينقلها معه في ترحاله، وملكية سائلة وهي إما حيونية من جمال وماشية وأغنام، أو عروض تجارة، أو رقيق من رجال ونساء.
ويوجد في المدن من يتملك الأراضي والدور والماشية ومن له مال للتجارة ورقيق، وهؤلاء الأغنياء على درجات في الثروة، كما يوجد إلى جانبهم فقراء لا يملكون شيئًا. وفي البادية يوجد من يملك ألوف الإبل كما يوجد من لا يملك شيئًا إلا خيمته، وأحيانًا لا يمتلكها. وعلى ذلك وجدت في المجتمع العربي طبقتان اقتصاديتان، غنية وفقيرة، على درجات متفاوته بين أفرادها في كثرة الغنى وشدة الفقر.
وكانت الهوة الاقتصادية بين هاتين الطبقتين بعيدة الغور إلى حدّ كبير مما أدّى إلى اختلال التوازن الاقتصادي بينهما اختلالًا شديدًا، وهذا الاختلال الاقتصادي وقف منه القرآن الكريم موقفًا حاسمًا حين حمل شعواء على طبقة المرابين المنشترين في المدينة التجارية الذين زادوا بجشعهم في عمق هذه الهوّة بين الناس، وحين توعد بالويل والعذاب أولئك التجّار الذين كانوا يلجئون إلى الغش في البيع والشراء، وسماهم المطففين، الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون وحين نعي على الأعراب قسوتهم وتحجر نفوسهم حين ليئدون بناتهم ويقتلون أولادهم خشية الإملاق. كما حاول أن يضع حدًّا لهذا بما فرضه من الزكاة والصدقات والكفارات، وما قرّره من حقوق على الأغنياء للفقراء وبما نظمه من علاقات بين المتداينين.
وبقدر ما كان الفرق الاقتصادي بعيدًا بين هاتين الطبقتين، كان الفرق النفسيّ بينهما قريبًا، فقد كانت الطبقات الفقيرة تؤمن في قرارة نفسها بأنّها لا تقل شيئًا عن الطبقات الغنية، وإذا كانت الحياة قد أغدقت على غيرهم وحرمتهم فتلك خطيئة المجتمع الذي يعيشون فيه وليست خطيئتهم، وماذا يمكلون لتغيير حظهم في الحياة