في مجتمع صحراوي موارد الرزق فيه محدودة ومجال العمل فيه ضيق. إن تلك القوافل التجارية التي تسيل بها شعاب الصحراء، وهذه القطعان من الماشية التي يضيق بها حمى القبيلة، كان من الممكن أن يكون لهم فيها نصيب لو أن المجتمع سار على قواعد عادلة غير القواعد التي يسير عليها.
على هذا النّحو كان بعض الفقراء المتمردين على وضعهم الاقتصادي يتصوّرون مشكلتهم التي لم يجدوا لها حلًّا إلا بالفرار من مجتمعهم القبلي إلى الصحراء، ليشقوا طريقهم في الحياة معتمدين على قوتهم. وفي أعماق الصحراء الغامضة، وعلى مرتفعاتها الواعرة التي تستعصي على المطاردين، على طول الطرق التجارية التي تسير بها القوافل المحمّلة بالأموال والأرزاق. وعلى مقربة من مواطن الخصب والثراء ومراكز النشاط التجاري في الجزيرة العربية، انتشرت عصابات الصعاليك ممن نفتهم ظروف الاقتصاد أو ظروف الاجتماع عن الحياة العامة من مخلوعي القبائل وشذّاذها ومن هجنائها وأغربتها ومن فقرائها المتمردين ليؤلفوا فيما بينهم، بعيدًا عن المتجتمع النظامي، مجتمعًا فوضويًّا متمردًا يتخذ من الغزو والغارة والفتك وسائل للحياة،
ومن السلب والنهب وقطع الطريق وسائل للعيش، مؤمنًا بأن الحق للقوة وأن القوة تبرر الوسيلة.
ومن الحقّ أن نسجّل أن هذا المجتمع الفوضويّ المتمرّد لم يكن من حيث وسائله إلا صورة من المجتمع القبليّ من حوله والذي كان يؤمن بالغزو وسيلة مشروعة من وسائل الحياة وأسلوبًا معترفًا به من أساليب العيش؛ غاية ما في الأمر أن هذه الحركة المتمردة "حركة الصعاليك" كانت حركة فردية. تتم خارج النطاق الجماعي الذي كانت القبائل تتصرّف في داخله، في حين كانت حركات القبائل حركات جماعية تتم في داخل هذا النطاق. وقد انتشرت هذه العصابات المتمرّدة في أرجائها وقد جمع بينها التشرد والفقر، والتمرد على النظام القبلي وما كان يؤمن به من وحدة الدم ووحدة الجماعة، والكفر بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تسيطر على مجتمعات القبائل من حولهم١، والإيمان بأن الأوضاع في حاجة إلى ثورة تغير منها.