الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان] . {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}[البقرة]{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}[الأعراف] . وفي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي ذر الغفاري وقد عيّر رجلًا بسواد أمه:"إنك امرؤ فيك جاهلية" والكلمة بهذا المعنى تقابل المثل الإسلامي الذي يتلخّص في كلمة "التقوى".
وعلى كلِّ من أراد أن ينظر إلى مهمة الرسول -صلى الله عليه وسلم- من وجهتها الصححية أن يتفهّم بوضوح ما كانت عليه حالة مكة في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ بينما كانت رسالته توكيدًا وتحديدًا لما أمر به من سبقه من الأنبياء ليبلغوه إلى مختلف الأمم، كانت من ناحية أخرى إحياءً لدين إبراهيم -عليه السلام- وكان لب رسالته -فوق كل شيء- خلق مجتمع يعبد الله ويسير في طريق الخير والصلاح. وكان محمد -صلى الله عليه وسلم- يأمل بأن يرى قومه -قبيلة قريش- ينقلبون جماعة تعيد للكعبة طهارتها الأولى وصفاءها الفطريّ. ولكن ذلك لم يحدث إذ لم يتسجب أهل مكة لدعوته.
وإنه لدليلٌ على قوّة تضامن ذوي القربى أن وقف الناس مع أقاربهم الذين غيّروا دينَهم وأسلموا، على الرّغم من عدم موافقتهم على ذلك. وأخيرًا لم يتوسم محمد -صلى الله عليه وسلم- أملًا في أن تستجيب قريش لدعوته، فهاجر إلى المدينة١.
١ الإسلام الصراط المستقيم "كتب فصوله مجموعة من الأساتذة" انظر الفصل الثاني "الآراء والحركات في التاريخ الإسلامي" للمرحوم شفيق غربال من ص ٦٢- ٦٨.