الصحراء لممارسة الرياضة والترويح عن أنفسهم وأجسامهم، كما يرسلون أبناءهم إلى البادية ليشبوا في أحضانها وبين خيامها، صيانة لهم من أوضار حياة المدن، وكانت أحاديث الصحراء وأساطيرها تشغل أمسياتهم في روايتها والتلذذ بسماعها.
ومكة مثل طيب لظاهرة التداخل هذه، ولكي نفهم مركز مكة في القرن السادس وعند ظهور الإسلام، وهو الوقت الذي بلغت فيه مكة ذروة مجدها، علينا ألا نأخذ بعين الاعتبار دور القبائل الرحّل وبطونها فحسب، بل ينبغي أن نلمّ بالعلاقات الخارجية للجزيرة العربية. فإن الجزيرة العربية كانت تزوِّد المناطق المجاورة لها بالمنتجات المرغوب فيها من حاصلات الجزيرة نفسها، كما كانت موانيها حلقات اتصال للتجارة الدولية. والحركة التجارية قائمة على قدم وساق وتروح وتغدو بين مناطق البحر المتوسط والشرق الهندي، وذلك عبر الطرق التجارية التي تتخلّل شبه الجزيرة العربية، والكثير منها يخترق مكة. ومكة نفسها وقعت في دائرة التنازع الدولي الذي كان قائمًا بين الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية البيزنطية، وقد بذلت محاولات من جانب الأحباش والروم للسيطرة عليها، لكن رجال مكة الحريصين على موقف الحياد، عارضوا كل تدخل في شئونهم، وكانوا يتعاملون مع رجال الدولة من الفرس ومن الروم على السواء، كما كانوا يحذقون التعامل مع الأعراب من أهل البادية.
يشير العرف الإسلامي إلى العصر الذي ولد فيه النبي -صلى الله عليه سلم- ويدعوه "الجاهلية". وكلمة "جاهلية" لا تعني "عكس المعرفة"؛ بل إنها تعني بالأحرى "مخالفة القانون والتمرد" أو "الجهل بما هو أفضل" وهي كلمة إسلامية أطلقت على العصر الذي سبق الإسلام مباشرة والذي كانت تسوده حرية العصبية القبلية بما فيها من نزقٍ وطيشٍ وحمقٍ واستجابةٍ لداعي العصبية مهما تكن الأسباب والظروف، فهي كلمة مأخوذة من الحمية العصبية. قال الشاعر:
ألا لا يجهلنّ أحدٌ علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا١
وهي لذلك كلمة تعبّر عن روح العصر بما كان فيه من وثنية وأخلاق قوامها الحميّة والأخذ بالثأر. وقد استعملت كثيرًا في القرآن الكريم بهذا المعنى {وَعِبَادُ