للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنمُّ بما إستودعته من زجاجة ... يرى الشيء فيها ظاهراً وهو باطن

ويكنّون عنه بالنسيم، قال الآخر:

وإنّك كلّما استودعت سرّاً ... أنمُّ من النسيم على الرياض

ويقولون: إنّه لصبح، وإنّه لطيب. قال بعضهم: يقال ذلك لأنّ الصبح لا يكتم ضوئه، والطيب لا يكتم ريحه، والنمام لا يكتم حديثاً.

ويقولون: ما زال يقتل له في الذروة والغارب حتّى استسمحت قرونته أي نفسه، والقرونة النفس، والذروة أعلا اسنام، والغارب مقدّمه، ومعناه: يدور من ورائه لخديعته.

ويقولون في الكناية: ما يدري أيّ طرفيه أطول، قيل: هما ذكره ولسانه، وقيل: هما نسب أبيه ونسب أُمّه.

ويقولون: زوده زاد الضب أي لم يزوده شيئاً لأنّ الضب لا يشرب الماء وإنّما يتغذّى بالريح والنسيم ويأكل القليل من عشب الأرض.

ويقولون للمختلفين من الناس: هم كنعم الصدقة، وهم كبعر الكبش، قال عمرو بن لحاء:

وشعر كبعر الكبش ألف بينه ... لسان دعيّ في القربض دخيل

وذلك لأنّ بعر الكبش يقع متفرّقاً.

وقال بعض الشعراء لشاعر آخر: أنا أشعر منك لأنّي أقول البيت وأخاه وأنت تقول البيت وابن عمّة.

فأمّا قول جرير في ذي الرمّة: إنّ شعره بعر ظباء ونقط عروس فقد فسّره الأصمعي فقال: يريد أنّ شعره حلوٌ أوّل ما تسمعه فإن كرّر إنشاده ضعف لأنّ أبعار الظباء أوّل ما تشمّ توجد لها رائحة ما أكلت من الجثجاث والشيح والقيصوم فإذا أدمت شمّها عدمت تلك الرائحة، ونقط العروس إذا غسلتها ذهبت.

ويقال أيضاً في المختلفين هم أولاد علاّت كالإخوة لأُمّهات شتّى والعلّة الضرّة.

ويقال للمتساويين في الردائة: كأسنان الحمار. وأنشد المبرّد في الكامل لأعرابي يصف قوماً من طي بالتساوي في الردائة:

ولمّا أن رأيت بني جوين ... جلوساً ليس بينهم جليس

يئست من الذي أقبلت أبغي ... لديهم إنّني رجل يئوس

إذا ما قلت أيّهم لأيٍّ ... تشابهت المناكب والرؤوس

قال: فقوله: ليس بينهم جليس هجاء قبيح، يقول: لا ينتجع الناس معروفهم فليس بينهم غيرهم.

ويقال أيضاً للمتساويين في الردائة: هما كحماري العبادي، لأنّه قيل له: أيّ حماريك شرٌّ؟ فقال: هذا ثمّ قال هذا.

ويقال في التساوي في الخير: هم كأسنان المشط، ويقال: وقعاً كركبتي البعير، وكرجلي النعامة.

وقال ابن الأعرابي: كلّ طائر إذا كسرت إحدى رجليه تحامل على الأُخرى إلاّ النعام فإنّه متى كسرت إحدى رجليه جثم، فلذلك قال الشاعر يذكر أخاه:

وإنّي وإيّاه كرجلي نعامة ... على ما بنا من ذي غنىً وفقير

وقال أبو سفيان بن حرب لعامر بن الطفيل وعلقمة ابن علاتة، وقد تنافرا إليه: أنتما كركبتي البعير، فلم ينفر واحد منهما. فقالا: أيّنا اليمنى؟ فقال: كلّ منكما يمنى.

وسأل الحجاج رجلاً عن أولاد المهلّب أيّهم أفضل؟ فقال: هم كالحلقة الواحدة.

وسأل ابن دريد عن المبرّد وتغلب فأثنى عليهما، فقيل: فابن القتيبة؟ قال: ربوة بين جبلين، أي خمل ذكره بنباهتهما.

ويقال للمتكفّل بمصالح النّاس إنّه وصيّ آدم على ولده، قال الشاعر:

فكأنّ آدم عند قرب وفاته ... أوصاك وهو يجود بالحوباء

ببنيه أن ترعاهم فرعيتهم ... وكفيت آدم عيلة الأبناء

ويقال خليفة الخضر لمن كان كثير الأسفار.

ويقولون للشيء المنتخب المختار: ثمرة الغراب، لأنّه ينتقي خير الثمر.

ويقولون: سمنُ فلان في أديمه، كناية عمّن لا ينتفع به أي ما خرج منه يرجع إليه، وأصله أنّ نحياً من السمن انشقَّ في ظرف من الدقيق فقيل ذلك، قال الشاعر:

ترحّل فما بغداد دار إقامة ... ولا عند من أضحى ببغداد طائل

محلُّ ملوك سمنهم في أديمهم ... وكلّهم من حلية المجد عاطل

فلا غرو إن شلّت يد المجد والعلى ... وقلَّ سماحٌ من رجال ونائل

إذا غضغض البحر الغطامط مائه ... فليس عجيباً أن تغيض الجداول

ويقولون لمن لا يفي بالعهد: فلان لا يحفظ أوّل المائدة، لأنّ أوّلها: (يا أيُّها الّذين آمَنُوا أوْفُوا بالعُقُود) .

ويقولون لمن هو حسن اللباس: لا طائل عنده هو مشجب، والمشجب خشبة القصار التي يطرح عليها الثياب. قال ابن الحجّاج:

لي سادة طارق السرور بهم ... يطرده اليأس بالمقاليع

<<  <   >  >>