أبنت شمسه إلاّ الغروب وقد سما ... لها كلّفي من كلّ عضو بيوشع
وابن مطروح في قوله:
وما أنس لا أنس المليحة إذ بدت ... دجىً فأضاء الأُفق من كلّ موضع
فحدّثت نفسي أنّها الشمس أشرقت ... وإنّي قد أوتيت آية يوشع
ومن جيّد التلميح قول ابن المعتز:
أترى الجيرة الذين تداعوا ... عند سير الحبيب وقت الزوال
علموا أنّني مقيم وقلبي ... راحل فيهم أمام الجمال
مثل صاع العزيز في أرحل القو ... م ولا يعلمون ما في الرحال
أشار إلى قصّة يوسف عليه السلام حين جعل الصاع في رحل أخيه وإخوته لم يشعروا بذلك، وقول أبي نصر محمّد الأصفهاني في ذمّ الملوك:
بليت بمملوك إذا ما بعثته ... لأمر أعيرت رجله مشية النمل
بليدٌ كأنّ الله خالقنا عنى ... به المثل المضروب في سورة النحل
يشير إلى قوله تعالى: (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ على شيء وهو كَلٌّ على مولاه أيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْر) .
ومنه ما ذكره أبوبكر في تحفة القادم أنّ أبابكر الشبلي جلس يوماً على نهر شبل بالجسر فتعرّض له بعض الجواري للجواز فلمّا أبصرته رجعت بوجهها وسترت ما قد ظهر له من محاسنها، فقال أبوبكر المذكور:
وعقيلة لاحت بشاطىء نهرها ... كالشمس طالعة لدى آفاتها
فكأنّما بلقيس وافت صرحها ... لو أنّها كشفت له عن ساقها
حوريّة قمريّة بدريّة ... ليس الجفا والصدُّ من أخلاقها
قال في تحفة العروس: ويمكن تغيير البيتين الأوّليّين بأن يقال:
وعقيلة لاحت بشاطىء نهرها ... كالشمس تتلو في المشارق صبحها
لو أنّها كشفت لنا عن ساقها ... لحسبتها بلقيس وافت صرحها
ومن مجون التلميح قول ابن الحجّاج:
غضبت صباح وقد رأتني قابضاً ... أيري فقلت لها مقالة فاجر
بالله إلاّ ما لطمت جبينه ... حتّى يحقّق فيك قول الشاعر
يريد قول ابن نباتة في وصف فرس أغرّ محجّل:
وكأنّما لطم الصباح جبينه ... فاقتصّ منه وخاض في أحشائه
وما أملح قول بعض شعراء المغرب في التلميح:
وعندي من لواحظها حديث ... يخبر أنّ ريقتها مدام
وفي أعطافها النشوى دليل ... وما ذقنا ولا زعم الهمام
يشير إلى قول النابغة في المتجرّدة امرأة النعمان بن المنذر:
زعم الهمام بأنّ فاها باردٌ ... عذبٌ مقبّله شهيّ المورد
زعم الهمام ولم أذقه أنّه ... عذبٌ إذا قبّلته قلت أزدد
ومن بديع التلميح قول الرئيس أبي العبّاس بن أبي طالب:
وكم ليلة نلت فيها المنى ... وبات لي الحبّ فيها نجيّا
إذا ضلّ لحظي في جنحها ... هدت وجنتاه الصراط السويّا
أراع فأسأل عن صبحها ... فيرجع لي جفنها نم هنيّا
إلى أن بدى لي سرحانها ... يحاول للجدي فيها رقيّا
فيالك من ليلة بتّها ... أنادم بدر دجاها البهيّا
حكت ليلة السفح في حسنها ... فأصبحت أحكي الشريف الرضيّا
يشير إلى قول الشريف الرضي في قصيدته البديعة المشهورة وهي:
يا ليلة السفح هلاّ عدت ثانية ... سقي زمانك هطّال من الديم
يقول فيها:
بتنا ضجيعين في ثوبَيْ هوى وتقى ... يلفّنا الشوق من فرع إلى قدم
وأمست الريح كالغيرى تجاذبنا ... على الكثيب فضول الريط والكمم
يشي بنا الطيب أحياناً وآونةً ... يضيئنا البرق مجتازاً على أضم
وبات بارق ذاك الثغر يوضح لي ... مواضع اللّثم في داج من الظلم
وبيننا عفّة بايعتها بيدي ... على الوفاء بها والرعي للذمم
يولع الطلُّ بردينا وقد نسمت ... رويحة الفجر بين الضالّ والسلم
وأكتم الصبح عنها وهي غافلة ... حتّى تكلّم عصفورٌ على علم
فقمت أنفض برداً ما تعلّقه ... غير العفاف وراء الغيب والكرم
والمستني وقد جدّ الوداع بها ... كفّاً تشير بقضبان من العنم
وألثمتني ثغراً ما عدلت به ... أرى الجنى بنبات الوابل الرذم
ثمّ انثنينا وقد رابت ظواهرنا ... وفي بواطننا بعدٌ من التهم