للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ترفعه عوامل شوق تنازعت خلدي، وجلبت السقم في تصرّفها إلى كبدي، فنسخت جميل صبري، وأطالت اشتغال فكري، إلى حضرة من نصب الله على التمييز علم فخره، فانخفضت بالإضافة إلى عزّه جميع أبناء دهره، وجزمت بنوا الدنيا أنّه في السماحة البحر المحيط، إذ بسط لها بالعطاء كفّاً استغرق وافر جودها ما حوته دائرة البسيط، فأقال به من كبوة الجدّ عثارها، حتّى سلمت له بالفضل إقرارها، فهو في أصله الذي عرقت به العلياء، كما قلت فيه مخاطباً له بهذه الثناء:

يا أمجد الناس فرعاً ... ينمى لأكرم أصل

وقاتل المحلّ جوداً ... في كلّ أزمة محل

وابن القرى ولعمري ... أبوك زاد المقلّ

لا يستشار سواه ... في كلّ عقد وحلّ

الموقد النّار ليلاً ... للطارق المستدلّ

مرفوعة وعليها ... مراجل الزاد تغلي

يمتدّ منها لسان ... إلى السّماء متجلّي

حتّى يضيء سناه ... في كلّ حزن وسهل

يدعوا الضيوف هلمّوا ... إلى القرى لمحلّي

فيهتدي بسناه ... إليه كلّ مضلّ

أكرم به من كريم ... له انتهى كلّ فضل

والخلق منك ومنه ... مثلان من غير مثل

هذا مجاجة مسك ... وذاك شهدة نحل

يفدي علاك ابن خفض ... ساع برجل ابن ذل

يبغي العلى وهو شيخ ... همّ بهمّة طفل

وهل تنال الثريّا ... عفواً بباع أشل

وماله في طريق ... العلياء موطىء نعل

ولا له حوض جود ... يرجى لعل ونهل

إلاّ حقيقة بخل ... تبدو بصورة بذل

ولعمري كيف ينالها، وهي علاء ماجد تفرع من دوحة ضربت في طينة المجد أرومها، وأخذ بأطراف الشرف حديثها وقديمها، فهو ينتمي منها إلى نسب كريم الطرفين، وحسب لم يزن معشار فخره فخار الثقلين، ذاك صفوة المكارم، من أبنائها الأكارم، رفع الله قواعد مجده، وخفّض حواسد جدّه، وجعل كوكب سعده طالعاً في سماء الفخار، ما استدار الفلك الدوّار.

دعاء إخلاص إذا رفعته ... قال الحفيظان معي آمينا

أمّا بعد؛ فالغرض من توشيع هذه الألوكة وتسهيمها، وترصيف منثورها ومنظومها، بثُّ وجد حركت ساكنه الذكرى، وترويح كبد أرمضتها هواجر البعد فغودرت حرّى، وتعليل نفس لم تزل من ثنايا الشوق إليكم متطلّعه، ولأخباركم من فم الصادر والوارد لم تزل منتجعه، ليرد عليها في ارتيادها، ما يجلب المسرّة إلى فوآدها، من صحّة أجسادكم التي هي لجسم الزمان أرواح تدبّره، وصفاء أيّامكم التي هي أوضاح هذا الدهر وغرره، وصّل الله عزّكم بيمن إقبالها، وقرن لكم بعمر الدهر غضارة اقتبالها، فلست أسأل غيرك من محقّق الحقائق، في كلّ غاسق وشارق، والسلام عليكم، ما رفّ فوآدي بأجنحة الشوق إليكم.

وكتبت إليه بهذه الرسالة أيضاً:

نسخت ولم يحص اشتياقي ولو له ... جميع الذي قد ضمّه الكون ناسخ

لقد دان قلبي في شريعة حبّكم ... فليس له حتّى القيامة ناسخ

سلام فتقت نور زهره صبا الحب، وأعربت أنفاس نشره عن طي سريرة الصب، ورقّت ألفاظه حتّى سرق النسيم طبعه من رقّتها، ونفحت بريا الإخلاص فقراته حتّى استعار العنبر المحض طيبه من نفحتها، وما هي فقرات في الطروس قد رسمت، بل روح محب أذابها الشوق وفي قالب الألفاظ تجسّمت، فلو نشق أرواح عرفها من غشيته سكرات الموت لصحا، ولو سرح النظر في لؤلؤ ألفاظها ذوالطبع السليم لسحرت عقله ماس منها مرحا.

عرائس لفظ حكى مسكها ... على الطرس أنفاس ريح الصبا

رقاق كرقّة قلب المحب ... وخدّ الحبيب بعصر الصبا

حكت في العذوبة أخلاق من ... له أهديت وإليها صبا

<<  <   >  >>