وَوجه الْجَواب عَن ذَلِك يرد على النَّحْو الَّذِي بَينا من تَسْمِيَة المصادر عَن الشَّيْء بإسمه لما بَينهمَا من التَّعَلُّق وَكَذَلِكَ الظَّاهِر من نعم الله وفضله الَّذِي سبق إِلَى الْخلق فِي الدُّنْيَا ابْتِدَاء وأولا عَن رَحمته لَهُم فِي الْأَزَل وَكَذَلِكَ مَا يظْهر من نقمه وعقوبته وغضبه الَّذِي لم يزل يُسمى بِهِ توسعا لِأَنَّهَا عَنهُ تكون وتحدث فَلَمَّا كَانَ ذَلِك سائغا فِي اللُّغَة لم يُنكر أَن يكون مَعْنَاهُ أَن الله عز وَجل ابْتَدَأَ الْخلق بنعمته وَمِنْه وعفوه وستره وَأخر الْعقُوبَة وَالْجَزَاء على السَّيِّئَات إِلَى العقبى وَالدَّار الْآخِرَة
فَسمى مَا سبق ظُهُوره من فعله النعم لَهُم فِي الدُّنْيَا رَحْمَة وَمَا أَخّرهُ عَنْهُم إِلَى العقبى من الْعقُوبَة غَضبا على معنى مَا ذكرنَا من تَسْمِيَة الشَّيْء بإسم مَا يحدث عَنهُ وَيظْهر مِنْهُ
وَقد بَينا فِيمَا قبل تَأْوِيل الرَّحْمَة وَالْغَضَب وَالرِّضَا على أصولنا وَأَن حَقِيقَة ذَلِك يرجع على أصولنا وقواعد مذاهبنا إِلَى مَا سبق وجوده لَا بِمدَّة وَتقدم كَونه لائقا بِهِ كَون سَائِر المكونات من إِرَادَة الله جلّ ذكره الْأَنْعَام على من علم أَنه ينعم عَلَيْهِ إِذا خلقه والإنتقام مِمَّن علم أَنه أهل لِأَن ينْتَقم مِنْهُ وَمَا يظْهر من النعم والنقم فِيمَا لَا يزَال عَن الرَّحْمَة وَالرِّضَا وَالْغَضَب فِيمَا لم يزل بذلك بِمَا بَينهمَا من التَّعَلُّق وَأَن أَحدهمَا يُسمى بإسم صَاحبه لِأَنَّهُ عَنهُ يَقع وعَلى حسب تعلقه فِيمَا سبق يحدث وعَلى ذَلِك تتأول الْأَلْفَاظ فِي الدُّعَاء إِذا قيل
اللَّهُمَّ ارحمنا وَارْضَ عَنَّا
من قبل أَن مَا هُوَ من صِفَات الذَّات لَا يَصح فِيهَا الطّلب وَالسُّؤَال وَإِنَّمَا يَصح الطّلب وَالسُّؤَال فِيمَا طَرِيقه طَرِيق الْفِعْل فَيسْأَل أَن يفعل ذَلِك