فَإِن قَالَ قَائِل أَلَيْسَ قد رُوِيَ أَيْضا فِي الْخَبَر الآخر أَن الله تَعَالَى لم ينظر إِلَى الدُّنْيَا مُنْذُ خلقهَا فَمَا معنى ذَلِك
قيل قد بَينا فِيمَا قبل أَن النّظر الَّذِي هُوَ بِمَعْنى الرُّؤْيَة لَا يَقع فِيهِ الإختصاص وَأَنه تَعَالَى هُوَ الرَّائِي لكل مرئي لَا على معنى طَرِيق الإختصاص وَلَا يُوصف بِالنّظرِ على معنى الرُّؤْيَة من طَرِيق اللَّفْظ وَالْعِبَادَة لأجل أَن السّمع لم يرد بِهِ
وَأما الَّذِي يُوصف بِهِ من ذَلِك على لفظ النّظر نفيا وإثباتا فَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنى التعطف وَالرَّحْمَة أَو تَركهمَا أَو بِمَعْنى الْقبُول على الْوَجْه الَّذِي ذكرنَا فِي قَوْلهم فلَان مَا ينظر إِلَى فلَان إِذا أَرَادَ أَنه لَا يعْتد بِهِ وَلم يكن لَهُ عِنْده قدر وعَلى ذَلِك يحمل معنى الْخَبَر بِأَن الله تَعَالَى لما خلق الدُّنْيَا للفناء والزوال وحث على الزّهْد فِيهَا وَترك الإشتغال بهَا قيل فِي وَصفه على هَذَا الْمَعْنى أَنه لم ينظر إِلَيْهَا
أَي لم يجل قدرهَا وَلَا قدر من ركن إِلَيْهَا وَهَذَا يرجع فِي التَّحْقِيق إِلَى معنى منع لطفه المشتغلين بهَا المعرضين عَن حكم الْآخِرَة لِأَن مَا وصف من النّظر على هَذَا الْوَجْه رَاجع إِلَى معنى اللطف وَالرَّحْمَة والتوفيق وَفعل الْخَيْر واللطف بأَهْله وَيكون تَحْقِيقه أَن المشتغلين بهَا المعرضين عَن الطَّاعَة فِيهَا قد حرمُوا من