أعلم أَن الضحك لَيْسَ هُوَ مَخْصُوصًا بتكشر الْفَم وَظُهُور الْأَسْنَان وَتغَير الْحَال على الْإِنْسَان بِهِ بل مَعْنَاهُ مُشْتَرك قَالَت الْعَرَب
ضحِكت الأَرْض بالنبات إِذا ظهر فِيهَا النَّبَات قَالَ الشَّاعِر
(تضحك الأَرْض من بكاء السَّمَاء ... )
يُرِيد بذلك مَا تظهر الأَرْض من النَّبَات وأنواره عَن مطر السَّمَاء
فَأَما وصف الله جلّ ذكره بِهِ فَذَلِك رَاجع إِلَى مَا يظْهر من نعمه ويبديه من مننه
فَأَما مَا قيل فِي خبر من يدْخل الْجنَّة آخرا أتضحك بِي وَأَنت الْملك فقد قيل فِي بعض الْأَخْبَار أَيْضا فِي مثل هَذَا الْموضع مِنْهُ أتستهزيء وَأَنت رب الْعِزَّة
وَلَيْسَ المُرَاد بذلك إِلَّا مَا يَقع فِي وهم هَذَا الْقَائِل أَن مَا يطْمع فِيهِ ويرجى غير موثوق بِهِ وَلَا مُتَحَقق لما رَجَعَ إِلَى مُتَحَقق حَالَة نَفسه فِي خُرُوجه من النَّار وَالْعَذَاب وَذَلِكَ أَيْضا مجَاز فِي الْكَلَام أَي يفعل مثل مَا يَفْعَله من لَا يُحَقّق مَا يَقُول والمشبه بالشَّيْء قد يُسمى بإسمه قَالَ الله تَعَالَى {فاعتدوا عَلَيْهِ بِمثل مَا اعْتدى عَلَيْكُم}