لِأَن يُقَال إِن ذَلِك مِمَّا لَا يُوقف على مَعْنَاهُ وَأَن الله جلّ ذكره اسْتَأْثر بِعِلْمِهِ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خاطبنا بِهِ ليفيدنا وخاطبنا بلغَة مَعْرُوفَة وَطَرِيقَة معقولة وَلم يعلمنَا أَن ذَلِك مِمَّا لَا يعلم أَو أَن لَهُ معنى غير مَا يُمكن التَّوَصُّل إِلَيْهِ من طَرِيق اللُّغَة
فَأَما معنى قَوْله أتهزأ بِي وَأَنت رب الْعِزَّة توسع فِي الْخطاب وَمَعْنَاهُ أَن مثله إِنَّمَا يَقُوله الهازئ لعبد رجائه مِمَّا أطمع فِيهِ وَإِنَّمَا استخرج الله تَعَالَى مِنْهُ ذَلِك على هَذَا الْوَجْه من الْخطاب وَمَعْنَاهُ ليعلمنا أَنه الَّذِي لَا يَنْقَطِع عَنهُ رَجَاء عبيده كَيفَ تصرفت بهم الْأَحْوَال وَأَنَّهُمْ أبعد مَا كَانُوا من الرَّجَاء من رَحمته بمقربة مِنْهَا حَتَّى يَكُونُوا أقرب إِلَيْهَا فِي الْحَال الَّتِي كَانُوا عِنْدهم أبعد مِنْهَا وَهَذِه بِشَارَة من الله جلّ ذكره للْمُؤْمِنين برحمته لِئَلَّا يياسوا مِنْهَا
فَإِن قَالَ قَائِل كَيفَ قيل فِي الْخَبَر لم ضحِكت يَا رَسُول الله
فَقَالَ ضحِكت لضحك الرب
قيل إِن ضحك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِتَغَيُّر يحدث فِيهِ يظْهر عِنْده فرحة وَضحك الرب إِظْهَار نعمه وفضله وَرَحمته وَمعنى الْخَبَر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أظهر فَرحا وسرورا بِمَا يظْهر الله عز وَجل من نعمه وفضله وَرَحمته على من كَانَ من أمته فِي أبعد حَالَة من رَجَاء ظُهُور مثلهَا فِيهِ من النعم شكرا لله جلّ إسمه على مَا يخص بِهِ الأشقياء من أمته وَإِلَّا بعد من رَحمته
ثمَّ ذكر صَاحب هَذَا الْكتاب أبوابا من شَفَاعَة النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلم يكن ذَلِك مِمَّا يَقْتَضِي ذكر الْكَلَام فِي التَّوْحِيد وَمَعَ ذَلِك فَلم يَجِيء فِيهِ شَيْء مِمَّا يجب أَن يبين الْخَطَأ فِيهِ من طَرِيق التَّوْحِيد فاعرضنا عَنهُ