للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَهَا هُنَا أَربع مقامات

أَحدهَا أَن الله سُبْحَانَهُ استخرج صورهم وأمثالهم فميز شقيهم وسعيدهم ومعافاهم من مبتلاهم

الثَّانِي أَن الله سُبْحَانَهُ أَقَامَ عَلَيْهِم الْحجَّة حِينَئِذٍ وأشهدهم بربوبيته وَاسْتشْهدَ عَلَيْهِم مَلَائكَته

الثَّالِث أَن هَذَا هُوَ تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ}

الرَّابِع أَنه أقرّ تِلْكَ الْأَرْوَاح كلهَا بعد إخْرَاجهَا بمَكَان وَفرغ من خلقهَا وَإِنَّمَا يَتَجَدَّد كل وَقت إرْسَال جملَة مِنْهَا بعد جملَة إِلَى أبدانها فَأَما الْمقَام الأول فالآثار متظاهرة بِهِ مَرْفُوعَة وموقوفة

فَأَما الْمقَام الثَّانِي فَإِنَّمَا أَخذ من أَخذه من الْمُفَسّرين من الْآيَة وظنوا أَنه تَفْسِيرهَا وَهَذَا قَول جُمْهُور الْمُفَسّرين من أهل الْأَثر قَالَ أَبُو إِسْحَاق جَائِز أَن يكون الله سُبْحَانَهُ جعل لأمثال الذَّر الَّتِي أخرجهَا فهما تعقل بِهِ كَمَا قَالَ {قَالَت نملة يَا أَيهَا النَّمْل ادخُلُوا مَسَاكِنكُمْ} وَقد سخر مَعَ دَاوُد الْجبَال تسح مَعَه وَالطير

وَقَالَ ابْن الأنبارى مَذْهَب أهل الحَدِيث وكبراء أهل الْعلم فِي هَذِه الْآيَة أَن الله أخرج ذُرِّيَّة آدم من صلبه وأصلاب أَوْلَاده وهم فِي صور الذَّر فَأخذ عَلَيْهِم الْمِيثَاق أَنه خالقهم وَأَنَّهُمْ مصنوعون فَاعْتَرفُوا بذلك وقبلوا وَذَلِكَ بعد أَن ركب فيهم عقولا عرفُوا بهَا مَا عرض عَلَيْهِم كَمَا جعل للجبل عقلا حِين خُوطِبَ وكما فعل ذَلِك بالبعير لما سجد والنخلة حَتَّى سَمِعت وانقادت حِين دعيت

وَقَالَ الجرجانى لَيْسَ بَين قَول النَّبِي إِن الله مسح ظهر آدم فَأخْرج مِنْهُ ذُريَّته وَبَين الْآيَة اخْتِلَاف بِحَمْد الله لِأَنَّهُ عز وَجل إِذا أَخذهم من ظهر آدم فقد أَخذهم من ظُهُور ذُريَّته لِأَن ذُرِّيَّة آدم لذريته بَعضهم من بعض وَقَوله تَعَالَى {أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين} أَي عَن الْمِيثَاق الْمَأْخُوذ عَلَيْهِم فَإِذا قَالُوا ذَلِك كَانَت الْمَلَائِكَة شُهُودًا عَلَيْهِم بِأخذ الْمِيثَاق قَالَ وَفِي هَذَا دَلِيل على التَّفْسِير الذى جَاءَت بِهِ الرِّوَايَة من أَن الله تَعَالَى قَالَ للْمَلَائكَة اشْهَدُوا فَقَالُوا شَهِدنَا قَالَ وَزعم بعض أهل الْعلم أَن الْمِيثَاق إِنَّمَا أَخذ على الْأَرْوَاح دون الأجساد إِن الْأَرْوَاح هِيَ الَّتِي تعقل وتفهم وَلها الثَّوَاب وَعَلَيْهَا الْعقَاب والأجساد أموات لَا تعقل وَلَا تفهم قَالَ وَكَانَ إِسْحَاق بن رَاهْوَيْةِ يذهب إِلَى هَذَا الْمَعْنى وَذكر أَنه قَول أَبى هُرَيْرَة قَالَ إِسْحَاق وَأجْمع أهل الْعلم أَنَّهَا الْأَرْوَاح قبل الأجساد

<<  <   >  >>