وقد قرأ العظيم على عبد الله بن كثير، وعبد الله على مجاهد، ومجاهد على ابنى عباس، وابن عباس على أبي، وقرأ أبي على النبي صلى الله عليه وسلم. - قال أبو عمر: كان سعيد بن جبير إذا رآني بمكة قاعداً مع الشباب ناداني: ياأبا عمرو، قم عن هؤلاء وعليك بالشيوخ! وكان أبي قد هرب من الحجاج، فلحق بمكة، فلقيت بها عدة ممن قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم. - وقال: الرجز والرجس واحد كالأزد والأسد. وقال: الأسارى من شدَّ، والأسرى من كان في أيديهم غير مشدودين.
وسأل رجل أبا عمرو حاجة، فوعده بقضائها، فتعذرت عليه بعد أجتهاد، فلقيه الرجل فقال له: قد غمني أن وعدتني وعدا لم تنجزه! فقال له أبو عمر: فمن أحق بالغم أنا أو أنت؟ قال الرجل: أنا المدفوع عن حاجتي. قال أبو عمرو: بل أنا لأني وعدتك وعدا، فأنت بفرح الوعد، وأنا بهم الإنجاز، وبت ليلتك فرحا مسروراً، وبت ليلتي مفكراً مغموماً، ثم عاق القدر عن بلوغ الوطر، فلقيتني مدلا، ولقيتك محتشماً، فأنا أولى بالغم منك.
وقال: ماقالت الشعراء في شئ كما قالوا في المشيب، ومابلغوا كنهه. قال الاصمعي: ولقد أجاد النمري حيث يقول " من البسيط ":
ماكنت أوفي شبابي كنه غرته ... حتى مضى فإذا الدنيا له تبع
وقال أبو عمرو: اتفقوا على أن أشعر الشعراء امرؤ القيس والنابغة وزهير. - وكان يشبه شعر ثلاثة من شعراء الإسلام بشعر ثلاثة من شعراء الجاهلية: الفرزدق بزهير وجرير بالأعشى والأخطل بالنابغة. قيل: فهلا شبهوا جريراً بأمرئ القيس؟ قال: هو بالأعشى أشبه، كانا بازيين يصيدان مابين الكركي إلى العندليب. وشبه شعر زهير بشعر الفرزدق لمتانتهما واعتسارهما، والأخطل بالنابغة لقرب مأخذهما وسهولتهما، وهما مع ذلك لو ضربت بهما الحائط ثلمته! - النابغة وزهير من مضر وامرؤ القيس من اليمن والأعشى من ربيعة. - وقيل للفرزدق: من أشعر الناس؟ فقال: النابغة إذا رهب، وامرؤ القيس إذا ركب، وزهير إذا رغب، والأعشى إذا طرب! أو قال: غضب. - وقال أبو عمرو في ترتيبهم: امرؤ القيس ثم النابغة ثم زهير ثم الأعشى. قال: ثم بعدهم جرير والفرزدق والأخطل. وقال: افتتح الشعر بأمرئ القيس وخُتم بذي الرمة. - وقال: أقسام الشعر تؤول إلى أربعة أركان: فمنه افتخار ومنه مديح ومنه هجاء ومنه نسيب، فأما الافتخار فيسبق الناس إليه جرير في قوله " من الوافر ":
إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلَّهم غضابا
وأما المديح فبرز فيه جرير على الناس في قوله " من الوافر ":
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
وأما الهجاء فبرز فيه جرير على الناس في قوله " من الوافر ":
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولاكلابا
وأما النسيب فبرز فيه جرير على الناس في قوله " من البسيط ":
إن العيون التي في طرفها مرض ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
وكان يفضل الأخطل ويقول: لو أدرك من الجاهلية يوماً واحداً ما قدّمت عليه جاهلياً ولاإسلامياً.
وقال: ماتساب اثنان إلا غلب ألأمُهما. وقال: عاجلوا الأضياف بالحاضر فإن الضيف متعلق القلب بالسرعة. - وقال يونس: قدم إلينا أبو عمرو طبق رطب، فأكلنا، فرفعت يدي، فقال: كل! فقلت: قد أحسبني. فضحك أبو عمرو وأعجبه ذلك وقال: هذا من قول الله عز وجلّ: (جزاء من ربك عطاء حسابا) ! أي كافياً.
وقيل له: من أبدع الناس بيتا؟ فقال: الذي يقول " من الرمل ":
لم يطل ليلي ولكن لم أنم ... ونفى عني الكرى طيف ألم
قيل: من أمدح الناس؟ قال: الذي يقول " من الطويل ":
لمست بكفي كفه أبتغي الغنى ... ولم أدر أن الجود من كفه يُعدي
فلا أنا منه ماأفاد ذوو الغنى ... أفدت وأعداني فبذرت ماعندي
قيل: فمن أغزل الناس بيتاً؟ قال: الذي يقول " من الرمل ":
ختم الحُبُّ لها في عنقي ... موضع الخاتم من أهل الذمم
والكل لبشار بن برد. - وقال: أرثى بيت قيل قول عبدة في قيس بن عاصم " من الطويل ":
فما كان قيس هُلكه هلك واحدٍ ... ولكنه بنيان قومٍ تهدما
وقال: أحسن المراثي ابتداء قول " أوس بن حجر في " فضالة بن كلدة العبسي " من المنسرح ":
أيتها النفس أجملي جزعا ... إن الذي تحذرين قد وقعا