هو يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي، وإنما سمي اليزيدي لصحبته يزيد بن منصور خال المهدي، وبذلك كبر وارتفع صيته، وكان من غلمان أبي عمرو بن العلاء. - ثم أدب المأمون وكان ابنه محمد لاصقاً بالمأمون من أهل أنسه، وكان يدخل إلى المأمون مع الفجر فيصلي به ويدرس عليه المأمون ثلاثين آية، وكان لايزال يعادله في أسفاره ويفضي إليه بأسراره. - وكان شاعرا فصيحاً نحوياً، روى عنه أبو عبيد القاسم بن سلام. وله " كتاب نوادر في اللغة " على مثال كتاب نوادر الأصمعي الذي عمله لجعفر بن يحيى البرمكي، وفي مقدار عدد ورقه، وله جامع شعر جيد. وأخذ عن الخليل بن أحمد العروض وغيره، وكتب عن أبي الوليد عبد الملك بن جريج، وتوفي ابن جريج سنة خمسين ومائة. - قال ابو هفان: أشعر العلماء النبل أربعة: الكميت والطرماح والكساني واليزيدي.
وله من الأولاد محمد وإبراهيم وإسماعيل وعبد الله ويعقوب وإسحاق، وترتيبهم في السن على هذا النسق: فيعقوب وإسحاق تزهدا وكانا عالمين بالحديث، والأربعة برعوا في اللغة العربية، ونادم المأمون من هذه الجماعة محمد وإبراهيم، وكان محمد المتقدم وهو الخارج مع المعتصم حين خرج إلى المبيضة بمصر، فمات محمد بها ومات الباقون ببغداد.
قال اليزيدي: اجتمعت مع الكسائي عند المهدي فقال: كيف نسبوا إلى البحرين؟ فقالوا: بحراني! ونسبوا إلى الحصنين؟ فقالوا: حصني! ولم يقولوا: حصناني؟ قلت: أصلح الله الأمير، إنهم لو نسبوا إلى البحرين فقالوا بحري لم يعرف إلى البحرين نسبوه أم إلى البحر، ولما جاؤا إلى الحصنين لم يكن موضع آخر يقال له الحصن ينسب إليه غير الحصنين فقالوا حصني. قال أبو محمد اليزيدي: فسمعت الكسائي يقول لعمر بن بزيع: لو سألني الأمير لأخبرته فيها بعلة هي أحسن من هذه. قال أبو محمد: قلت: اصلح الله الأمير! إن هذا يزعم أنك لو سألته لأجاب بأحسن مما أجبت به. قال: فقد سألته. فقال الكسائي: لما نسبوا إلى الحصنين كانت فيه نونان فقالوا: حصني اجتراء بإحدى النونين من الأخرى، ولم يكن في البحرين إلا نون واحدة فقالوا بحراني. فقلت: أصلح الله الأمير، كيف ينسب رجلاً من جنان يلزمه أن يقول جني لأن في جنان نونين؟ فإن قال كان ذلك، فقد سوى بينه وبين المنسوب إلى الجن! فقال المهدي: فتناظرا! قال: فتناظرنا.
قال: وسأل المأمون اليزيدي عن شيء، فقال: لا وجعلني الله فداءك يا أمير المؤمنين! فقال: لله درك! ما وضعت واو قط موضعاً أحسن من وضعها في لفظك هذا! - وشكا اليزيدي إلى المأمون خلَّة أصابته وديناً ارتكبه، فقال: ماعندنا في هذه الأيام ما إن أعطيناكه بلغت به ماتريد.
فقال: عندك منادمون فيهم ما إن حركته نلت منهم ما أريد، فأطلق لي الحيلة فيهم! قال: قل مابدا لك! قال: إذا حضروا وحضرت الباب فمر فلانا الخادم أن يوصل إليك رقعتي، فإذا قرأتها فأرسل إليّ: دخولك في هذا الوقت متعذر، ولكن أختر لتفسك من أحببت ينادمك! فقال: أفعل! فلما علم أبو محمد بجلوس المأمون واجتماع ندمائه إليه أتى الباب فدفع الرقعة إلى الخادم الذي ذكره للمأمون، فأوصلها إليه، فقرأها فإذا فيها " من السريع ":
ياخير إخوان وأصحاب ... هذا الطفيلي على الباب
خبر أنذَ القوم في دعوة ... يرنو إليها كلُّ أواب
فصيروني بعض جلاسكم ... أو أخرجوا لي بعض أصحابي
فقرأها المأمون على من حضره، فقالوا: ما ينبغي أن يدخل علينا الطفيلي. فأرسل إليه المأمون: دخولك في هذا الوقت متعذر، فأختر لنفسك من أحببت نخرجه إليك لتنادمه! فقال: ماأرى لنفسي اختياراً غير عبد الله بن طاهر. فقال له المأمون: قد وقع اختياره فصر إليه! فقال: ياأمير المؤمنين، فأكون شريك الطفيلي؟! قال: فما يمكت ردُّ أبي محمد عن أمرين فإن أحببت أن تخرج وإلا فافد نفسك! فقال: ياأمير المؤمنين، له عليَ عشرة آلاف درهم! قال: لاأحسب ذلك يقنعه منك ومن مجالستك. قال: فلم يزل يزيده عشرة والمأمون يقول له: لاأرضى له بذلك! حتى بلغ المائة، فقال له المأمون: فعجلها له! فكتب بها إلى وكيله ووجه معه رسولاً. فأرسل المأمون إلى أبي محمد: تقبض هذه في هذا الوقت أصلح لك من منادمته على مثل حاله وأنفع عاقبة.