للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقيل: إنه استأذن على المأمون ينادمه، فأخطا في كلام تكلم به، فانقبض المأمون من ذلك، فعرفه ذلك بعض الناس، فأتاه وهو متكفن متحنط وأنشده " من الطويل ":

أنا المذنب الخطاء والعفو واسع ... ولو لم يكن ذنب لما عرف العفو

فقبل عذره وعفا عنه.

اجتمع اليزيدي وسلم الخاسر عند عيسى بن عمر، فقال سلم لليزيدي: اهجني وليكن على روي قصيدة امرئ القيس " من المديد ":

ربَّ رام من بني ثعل ... مخرج كفيه من ستره

فقال اليزيدي وكان حيياً عفيفاً: مالك ولهذا؟ قال سلم: كذلك أريد! فقال اليزيدي: ما أغنانا عن التعرض للنشر فلتسعك العافية! وأراد سلم أن يعرف عيسى أن لليزيدي مفحم عيي، فقال سلم: إنك لتحتجز بغاية الاحتجاز. فقال عيسى: سألتك يا أبا محمد إلا فعلت! فأخذ نعله وقلبها وكتب عليعا " من المديد ":

ربَّ مغموم بعافية ... غمط النعماء من أشره

وامرئ طالت سلامته ... فرماه الدهر من غيره

بسهام غير مشويةٍ ... نقضت منه قوى مرره

وكذاك الدهر منقلب ... بالفتى حالين من عصره

يخلط العسرى بميسرة ... ويسار المرء في عسره

عق سلم أمه سفهاً ... وأبا سلم على كبره

كلُّ يومٍ خلقه رجلٌ ... رامح يسعى على أثره

يولج الغرمول سبته ... كولوج الضب في حجره

فقال سلم: هكذا استدعاء الشر والشقاء، ما كان أغناني عن هذا! فقال عيسى: لاأبعد الله غيرك! ولاأتعس إلا جدك! قد كان الرجل يستعفيك ويحترز منك أشد الاحتراز، بقياً على دينه فأبيت إلا ماسمعت.

ومن شعر اليزيدي " من السريع ":

من يلم الدهر ألا ... فالدهر غير معتبه

أو يتعجب لصرو ... ف الدهر أو تقلبه

وكل ذي عجوبة ... جار إلى تعجبه

مضى بذاك مثل ... من ير يوماً ير به

قول حكيم قاله ... في سالفات حقبه

ورأس أمر لامرئ ... خير له من ذنبه

حتف امرئ لسانه ... في جده أو لعبه

بين اللهى مقتله ... ركب في مركبه

ورب ذي مزح أفيتت نفسه في سببه

ليس الفتى كلَّ الفتى ... إلا الفتى في أدبه

وبعض أخلاق الفتى ... خير له من نسبه

يحلم عنك في الرضا ... كحلمه في غضبه

وذو النهى ليست تبا ... عات الهوى من أدبه

لما يرى من أفنه ... فيه ومن تشعبه

وآفة الرأي الهوى ... والحزم في تجنبه

والأصل ينمي فرعه ... والمرء عند حسبه

واظنن بكل كاذب ... ما شئت بعد كذبه

والصدق من أفضل ما ... يؤثر عن مكتسبه

من يقنع الدهر وإن ... قلَّ اثاث نشبه

يعش رحيباً باله ... في ضيقه أو رحبه

ومن يصاحب صاحباً ... ينسب إلى مستصحبه

بزانيات رشده ... أو شانيات رتبه

وربما عرَّ صحا ... حاً جرب بجربه

يعرف من حال الفتى ... في لبسه ومركبه

وفي شمأزيزته ... منك وفي تعتبه

عليك او إصغائه ... إليك أو تحببه

والحر قد تعرفه ... بلينه وقربه

وعزمه وحزمه ... ورأيه وحدبه

والمرء قد يدركه ... يوماً جنود منصبه

بجهله يعرف و ... سيماه في توثبه

وشرة النفس وفي ... إلحاحه وطلبه

رفيق كل مطمع ... بحرصه وتعبه

وقد تعدى طوره ... عن كنهات رتبه

وقال " من الكامل ":

آخ الكريم فإن ... صحبتك اللئام عليك وصمه

والمال أصلحه ... فليس لمقتر في الناس حرمه

وإذا استشرت فلا تشا ... ور غير من جربت حزمه

<<  <   >  >>