قال عبد الله بن محمد بن مرة: هو حسان بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن غوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن الحمير، وحسَّان هو ذو الشعبين. وهو جبلٌ باليمن نزله هو وولده ودفن به ونسب إليه هو وولده، ومن كان منهم بالكوفة قيل شعبيون، منهم عامر الشعبي، ومن كان منهم بالشأم قيل لهم شعبانيون، ومن كان منهم باليمن قيل لهم آلُ ذي شَعْبَين. فبنوا عليّ بن حسَّان بن عمرو رهط عامر ابن شراحيل بن عبد الشعبي، ودخلوا في أُحمور همدان، فعدادهم فيهم، والأحمور خارفٌ والصائديون وآل ذي بارق والسبيع وآل ذي حدان وآل ذي رضوان وآل ذي لعوة وآل ذي مرّان. وأعراب همدان غرر ويامٌ ونهمٌ وشاكر وأرْحبُ. وفي همدان من حمير قبائل كثيرةٌ، منهم آل ذي حوال، وكان على مقدمة تُبَّعٍ، منهم يعفر بن الصبَّاح المتغلب على مخاليف صنعاء اليوم.
كان الشعبي مليحاً فصيحاً يصبغ بالحناء، وكان دميماً، سُئل فقال: زوحمتُ في الرحم! وذاك أنه ولد توءماً.
كان الشعبي يتحدث فيقول: إن للحديث سكتات وإشارات وموافقات وتعريجات، فمواضع يتوقف فيها ومواضع يطوى فيها طيَّاً، وليس كلّ أحدٍ أعطي ذلك ويحسن ذلك. - وكان يقول له ابن شبرمة: يامُفوّت الحاجات! لما كان يشغل جلساءه بحسن حديثه عن حوائجهم.
سأله رجلٌ يوم عيدٍ وعليه مطرف خزٍ: ناترى في لبس الخز؟ فقال: أحمقُ يرى عليّ مطرف خزٍ ويسألني عن لبسها. وكان أكثر ما يلبس الخز الأحمر والرداء الكتان المُوَّرد ولم يُرْخ عمامته. ورُئي جالساً على جلد أسد. قال مجالدٌ: رأيتُ عليه قباء سمُّور. وكان يتختم في يمينه ونقش خاتمه: " الحمد لله الحق المبين "، وقيل: " حسبيَ اللهُ ونعْمَ الوكيل ". قال: وهي أوّلُ كلمة قالها الخليلُ عليه السلان حين أُلقي في النار.
وكان لايقوم من مجلسه حتى يقول: أشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أنّ الدين كما أمر، وأشهد أنّ الإسلام كما وصف، وأشهد أنّ الكتاب كما بلَّغ، وأشهد أنّ القول كما حدث، وأشهد (أنَّ اللهَ هُوَ الحقُّ المُبينُ) ! فإذا ذهب ينهض قال: ذكر الله محمداً منا بالسلام.
ولما ولي عمر بن عبد العزيز استعمل على الكوفة عبد الحميد بن عبد الرحمان ابن زيد بن الخطاب، فاستقضى عبد الحميد الشعبيَّ بأمر عمر، فقضى سنةً ثمّ استعفاه فأعفاه.
وكان موسراً يشتري اللحم في كلّ جمعة بدرهم واحد، وكان يقول: لدرهم أعطيه في النوائب أحبُّ إليَّ من خمسة أتصدق بها. - مرّ على قوم وهم ينالون منه ولايرون، فلما سمع كلامهم قال " من الطويل ":
هنيئاً مريئاً غير داء مخامرٍ ... لعزَّةَ من أعراضنا ما أستحلتِ
وسمع رجلاً يشتمه فقال: إن كنت صادقاً فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك! ثمّ تمثلَّ " من الرمل ":
ليست الأحلامُ في حال الرضى ... إنما الأحلامُ في حال الغضَبْ
وهجاه رجلٌ قضى عليه لزوجته فقال " من الرمل ":
فُتنَ الشعبيُّ لمَّا ... رفعَ الطَرْفَ إليها
فتنته حين ولَّت ... ثمّ هزَّت منكبيها
فتنته بقوامٍ ... وبخطَّي حاجبيها
وبنان كالمداري ... وبحسن معصميها
من فتاةٍ حين قامت ... رفعت مأمتيها
كيف لو أبصر منها ... نحرها أو ساعديها
لصبا حتى تراه ... ساجداً بين يديها
قال للجلواز: قدمها وأحضر شاهديها
فقضى جوراً على الخصم ولم يقض عليها
بنتِ عيسى بن جرادٍ ... ظَلَمَ الخصم لديها
ما على الشعبي لم يوُ ... فِ الذي كان عليها
فلما سمع الشعبي الأبيات ضحك وقال: لا والله ماكان شيءٌ من هذا.
قال الشعبي: ماأروي شيئاً أقلَّ من الشعر، ولو شئتُ أن أنشد شهراً ولا أعيد شيئاً لفعلت. - وقال أبو بكر الهُذَلي للشعبي: أتحبّ الشعر؟ قال: نعم! قال: أما إنه يحبه الرجالُ ويكرهه مؤنثوهم!