قال أبو بكر الهذلي لابن سيرين: إذا أتيت الكوفة فالزم الشعبيَّ واستكثر من حديث! فلقد رأيته يستفتي وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لأحياءٌ. - وسئل عن شيء فقال: لاعلم لي بهذا! فقال: ألا يستحي مثلك يقول هذا؟! فقال: إنّ الملائكة لم تستحي من قولهم: (لاعلم لنا) ، أستحيي أنا!؟ قال ابن شبرمة: كنتُ أمضي مع الشعبي في بعض الطريق، فقال لي: احملني وأحملك! قلت: كيف ذاك!؟ قال: حدثني وأحدثك! - قال الشعبيّ: تغديتُ عند قتيبة بن مسلم بخراسان، فقال: أيُّ الشراب أحبُّ إليك حتى تؤتى به؟ أعزُّ مفقودِ وأهونُ موجود! قال: ياغلام، اسقيه ماءً! وقال: ما من بني عبد المطلب رجلٌ ولا امرأة إلا قال الشعر غير النبيّ صلى الله عليه وسلم. قال: وأغزلُ بيتٍ وأرقه قولهم " من الطويل ":
فدقتْ وجلَّتْ واسَكَّرتْ وأُكملتْ ... فلو جُنَّ إنسانٌ من الحسنِ جُنَّتِ
ودخل على عبد الملك بن مروان، فقال له: أنشدني أحكم ما قالته العرب وأوجزه! فقال قول امرئ القيس " من االبسيط ":
صُبَّتْ عليه وما تنْصَبُّ عن أمَمٍ ... إن الشقاءَ على الأشقَيْنَ مكتوبُ
قال زهير " من الطويل ":
ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفرهُ ومن لا يتقِ الشتمَ يُشتمِ
قال النابغة " من الطويل ":
ولستَ بمستبقٍ أخاً لاتلمُّه ... على شعثِ أيُّ الرجال المُهذَّبُ
وقال عدي بن زيد " من الطويل ":
عنى المرء لاتسأل وأبصر قرينه ... فإن القرين بالمقارن مقتدي
وقال طرفة بن العبد " من الطويل ":
ستبدي لك الأيام ماكنت جاهلاً ويأتيك بالأخبار من لم تُزوّدِ
قال عبيد بن الأبرص " من البسيط ":
إذا المرُ أسرى ليلةً ظنّ أنه ... قضى عملاً والمرءُ ماعاش عاملُ
وقال الأعشى " من الطويل ":
ومن يغترب عن قومه لايزل يرى ... مصارعُ مظلومٍ مجراً ومسحباً
وقال الحطيئة " من البسيط ":
من يفعلِ الخيرَ لايَعْدمْ جوازيهُ ... لايذهبُ العزْفُ بين الله والناسِ
وقال الحارث بن عمرو " من الطويل ":
فمن يلقَ خيراً يحمدِ الناسُ أمرهُ ... ومن يغوِ لايعدمُ على الغيّ لائما
وقال الشمَّاخ " من الطويل ":
وكُلُّ خليلٍ غيرُ هاضمِ نفسهِ ... لوصل خليل صارمٌ أو معارزُ
فقال عبد الملك: حججتك، ياشعبيُّ، بقول طفيل الغنوي " من البسيط ":
ولا أخالسُ جاري في حليلته ... ولا ابن عمي غالتني إذا غُولُ
حتى يقال وقد دليتُ في جدثٍ ... أين ابن عوفٍ أبو قرّانَ مجعولُ
وقال ابن شبرمة: سألت الشعبيَّ عن معنى هذا البيت " من الرمل ":
بدَّلته الشمسُ من منبتهِ ... بَرداَ أبيض مصقول الأُشرْ
فلم يكن عنده جوابٌ. وقيل: إنه كان الصبيُّ في الجاهلية إذا أتغر استقبل بسنه عين الشمس، فحذفها وقال: أبدليني خيراً منها.
قال: وأغزل بيتٍ قيل في العرب قول الأعشى " منى البسيط ":
غرَّاءُ فرعاء مصقولُ عوارضها ... تمشي الهوينا كما يمشي الوجى الوحلُ
قال: وأخبث بيتٍ قالته العربُ قوله " من البسيط ":
قالت هُريرةُ لما جئت زائرها ... ويلي عليك وويلي منك يارجلُ
وأشجع الناسُ من قال " من البسيط ":
قالوا: الطراد! فقلنا: تلك عاداتنا ... أو تنزلون فإنا معشرٌ نُزُلُ
سئل الشعبي عن رجل لطم عين رجل فأحمرت فشرقت فاغرورقت، فقال: يقضى فيها ببيت الراعي " من الطويل ":
لها أمرها حتَّى إذا ما تبوَّأتْ ... بأخفافها مأوى تبوأ مضجعا
ومعنى هذا البيت أنّ الراعي إذا أتى بإبله عشيا تركها حتى ترتاد بأخفافها موضعاً تبرك فيه، فإذا ارتادت موضعاً وبركت نزل قبالتها. فالمعنى إن الحكم في هذه العين أن تترك حتى يستقر أمرها على شيء ما، ثمّ يقضى فيها.
وسئل عن رجل أوصى لأرامل بني فلان، فقال: الرجالُ والنساءُ سواءُ، أما سمعتم قول الشاعر " من البسيط ":
تلك الأرامل قد قضيتُ حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر
وقال الشعبي: لايكون الرجل سيداً حتى يكون للبيتين مستعملا، وهما " من الطويل ":
وإني للباسٌ على المقْتِ والقلى ... بني العم منهم كاشحٌ وحسودُ