المسألة الثالثة: هل يعتبر ما عدا الإسلام من الأديان الأخرى ملة واحدة؟
ذهب الشافعي وأبو حنيفة إلى أن كل ما عدا الإسلام يعتبر ملة واحدة؛ ويترتب على هذا أن اليهودي يرث من النصراني ومن المجوسي ومن غيرهما, وأن النصراني يرث من اليهودي ومن المجوسي ومن غيرهما، وذهب الحنابلة إلى أن الكفار مملل شتى، فالنصرانية ملة بجميع فرقها، واليهودية ملة بجميع فرقها أيضا، والمجوسية ملة والوثنية ملة وهكذا؛ ويترتب على ذلك أن النصراني لا يرث من اليهودي ولا من غيره, وأن اليهودي لا يرث من النصراني ولا من غيره.
وقد استدلوا لما ذهب إليه الشافعي وأبو حنيفة بآيات من الكتاب الكريم, منها قوله تعالى:{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} ووجه الاستدلال من هذه الآية الكريمة بأنه -سبحانه- عنى بالحق دين الإسلام وبالضلال جميع ما عداه من الأديان, وقد جمع الجميع في كلمة واحدة وهي الضلال, فدل على أن جميعها شيء واحد، ومنها قوله سبحانه وتعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} ووجه الاستدلال من هذه الآية: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا} عام يشمل جميع أنواع الكفار، وقد أثبت سبحانه أن بعضهم ولي لبعض ونصير، وقد عرفنا أن العلة المقتضية للميراث وجود الموالاة والمناصرة بين الوارث والموروث، فقد ثبتت هذه العلة مع اختلاف ملل الذين كفروا، إذ لم يفرق سبحانه في موالاة بعضهم بعضا بين أن يكونوا من نحلة واحدة, وأن يكونوا من نحلتين مختلفتين.
المرتد:
ومن الموانع: الردة: والردة في أصل اللغة اسم بمعنى الارتداد وهو الرجوع والانصراف عن الشيء، وفي اصطلاح علماء الشريعة عبارة عن أن يفعل المسلم فعلا أو يقول كلاما أو يعتقد شيئا لا يقره الإسلام بتة، كأن يسجد للصنم أو يسب الله ورسوله، أو يعتقد أن لله تعالى شريكا أو صاحبة أو ولدا، أو ينكر افتراض الصلوات الخمس, أو ينكر حرمة الزنا, وما أشبه ذلك.
فالمرتد يرثه قريبه المسلم, أي: يرث ماله الذي اكتسبه المرتد في حال إسلامه، وأما ما اكتسبه في حال ردته فيوضع في بيت المال، هذا في حق المرتد الذكر، وأما المرأة المرتدة فيرث قريبها المسلم ما اكتسبته في حال إسلامها وفي حال ردتها. وقال الصاحبان: يورث مال المرتد والمرتدة, سواء ما اكتسب في حال الردة أو قبلها.