اللهُ عليهم فرنسا عام ١٣٣٦هـ فأذاقوا الكبير والصغير والحر والعبد التنكيل المرير، وكانت فرنسا قبل ذلك قد استولت على الصحراء استيلاءً ضعيفًا وليس لهم على الناس حينئذٍ إلا شيء تافه من المال، حصلت عليه هدنة بينهم وبين الناس، ولكنها هدنة غير مؤقتة، ومِن ثَمَّ لما منع البربري الحاكم على الصحراء فهر ابن الإنصار -بكسر الهمزة- لما منع ذلك المبلغ منهم، وأعلن بحربهم في السنة المتقدّم ذكرها هجمت فرنسا على الصحراء هجمة واحدة، حتى قتلت رجالَها ونساءها، وسبت عبيدَها وإماءَها، وأكثروا فيها الفساد إكثارًا هادمًا، واستعمروها استعمارًا ظالمًا فوق استعمار أيّة دولة أجنبية لأيِّ أمة أخرى، وجعلوا على الناس ضريبة سنويّة باهظة على النفوس، مستأصلةً لما معَهم من الفلوس، ومنعوهم من بيع الرقيق، ومن إقامة الحدود على أهل الفسوق، ولم يأذنوا لهم إلاّ فيما لم يصادم استعمارَهم الجائر كالصلاة والزكاة والصيام، وأما الحج فقد حظروه من يوم استيلائهم، بل سدّوا الطريق إليه، لِمَا فيه من صرف المال الذي وضعت تلك الدولة الملعونة يدَها عليه، اللهم إلاّ مَن تسلّل خفيَةً منهم مع الخطر الشديد لو اطلعوا عليه مِن سجنِه ومصادرة كل ما بيديه، وذلك لإحاطتهم بالصحراء من نواحيها الأربع لأجل نيل غرضهم الشنيع من استعمار الناس على غباوة وعزلة من العالَم، لأن الناسَ لو أمكنَهم الهروب منهم لهربوا، ولو علموا بما تريد لزاد ذلك في قلوبهم العداوة.
ولم يزل الناس معهم على تلك الحالة الخطرة من عام ١٣٣٥هـ حتى منَّ الله عليهم بوصول الشيخ محمد عبد الله المدني بن المحمود الشريف التنبكتي من الحجاز عام ١٣٥٧هـ فدعا الناسَ إلى العقيدة السلفية والعمل بالكتاب والسنة النبوية، وذلك لأنه أدرك ناسًا رُبُّوا على العقيدة الأشعرية الكُلاّبية وعلى التعصّب للآراء الرديّة والإذعان لسلطان الطرق الغوية، واجتهد في عمله ذلك غاية الاجتهاد، فصار الناسُ فيه بين قابل وراد، وبين متذبذبٍ لم يفهم المراد،