أستاذ الأدب والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
نُشرت في جريدة (الرياض) العدد: (١٠٧٢٨) بتاريخ: ٧ رجب عام ١٤١٨هـ، الموافق: ٧ نوفمبر ١٩٩٧م.
قضاء الله نافذ، وإذا حلّ الأجل فلا مردّ له، والموتُ حقٌّ، وهو سبيلُ كلّ حي؛ ومن عناية الله بالمؤمن طلب منه أن يسلم ويرضى بقضاء الله وقدره؛ وقطارُ الحياة يموجُ بالأحياء والأموات، وفي كلِّ لحظة مولد ينبض بالحياة فيضاف إلى رصيدها، أو ميت يغادر الفانية إلى الباقية؛ وكم من الأحياء الذين يعيشون في عداد الأموات؛ لأنهم يعيشون على هامش الحياة، حيث إنهم لم يعيشوا فيها كما أراد الله لهم دينًا وخلقًا وعلمًا وعملاً وكدًّا وسعيًا وصلاحًا.
وكم من الأموات الذين يغادرون هذه الدنيا، ولكنهم يعيشون في قلوب الناس جميعًا بأخلاقهم وصلاحهم وأعمالهم؛ ومن هذا الصنف: شيخ الحديث، وعالم المدينة النبوية الشيخ حماد بن محمد الأنصاري "يرحمه الله" الذي وافته المنية منذ أيّام؛ وقد تألّم وحزن لفقده كلُّ من عرفه من طلاّب العلم ومحبيه، ولا شكّ أن فقد العلماء من أمثاله يترك فراغًا كبيرًا قد لا يتهيّأ من يسده.
وكأني أنظر إلى وجه الشيخ "يرحمه الله" وأشهد فيه ذلك السمْت الذي ينمّ عن طيبة القلب، وصفاء النفس، ونقاء السريرة والوقار الذي يملأ النفسَ إجلالاً وتقديرًا، واستروح ذلك الحب الذي يفيض منه على كل من له صلة به من طلابه ومحبيه؛ تجالسه فتراه طلق المحيّا، هاشًّا، باشًّا في وجه من يجالسه، أو يقصده طلبًا للعلم والفائدة.
أحبَّ العلمَ، ونذرَ له نفسه، وكرّس له كل جهده ووقته؛ وكأنه لا يرغب في أن تفوت لحظةٌ واحدة أو يمرّ نفس دون أن يكون قد شغلَه في الحصول على معلومة أو كتاب.
وملَك عليه حبّ الكتب واقتناؤها شغاف قلبه؛ وإذا سمع بكتاب جيّد يدخل دائرة اهتمامِه لا يهدأُ له بال، ولا يغمض له جفن، ويظلّ يلحّ ويدأَب