الآصار وسلك بها أوجز المسالك وأحسن المعارج، وعلى آله وأصحابه الذين وقفوا على سنته أكمل وقوف، ولم يتركوا منقطعًا لضعفه إلا أسندوه، وما شأنُهم التبديل والتحريف وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن العالم الأفضل، العالم الأمثل، صدر الأفاضل، بدر المحافل، العلامة المحقق، البحّاثة المدقق، الحبر النحرير، الشيخ الشهير أبو يحيى الحافظ محمد زكريا بن العلامة محمد يحيى شيخ الحديث بمدرسة مظاهر العلوم، لازالت أفنانُ دوحته باسقة، وغيوث معارفه دافقة، ماتوا إلى الملوان، أهداني تصنيفه المجلى، وترصيفه المحلى المسمى "أوجز المسالك إلى موطأ الإمام مالك"، فوجدته مرتعًا أُنُفًا لم يقتطف، ومكرعًا قُدُسًا لم يرتشف، رائق المبنى، فائق المعنى.
كتاب فيه من غُرَر المعاني ... قلائد لا تنظمها اليدان
إذا نُشِرت صحائفه تجلت ... بروضتها أزاهير المعاني
ترود العين منه في مرَادٍ ... مريع جاده فيض البنان
كيف لا وقد تفجّر ينبوعه من أقلام حِبْر هو البَحْر، فلا غروة أن بدا منه كل سطر بمنزلة سفر، وهو البحر الرائق، وملتقى بحار الدقائق، وكنز العمّال والمحدِّثين، والدرّ المختار، ورياض الصالحين، فجزى الله تعالى مؤلّفَه عن بذل مجهوده وإعمال فكره، وإدمان نظرِه وإدامة سهرِه، إنه لا يضيع أجرَ المصلحين.
وقد قرّظته بهذه الكلمات الجديرة بالقصور، وقفيّتها بأبياتٍ خليقة بالتقصير، ورمزت لاسمه وصفته بأول حرف من كل بيت على الطريقة الموسومة بالتشجير، وهي هذه: