للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانياً: أن الذين ادعوا ثبوت هذه الكليات في الخارج مجردة، قالوا إنها مجردة عن الأعيان المحسوسة، ويمتنع عندهم أن تكون هذه هي المبدعة للأعيان، بل يمتنع أن تكون شرطاً في وجود الأعيان، فإنها إما أن تكون صفة للأعيان، أو جزءاً منها، وصفة الشيء لا تكون خالقة للموصوف، وجزء الشيء لا يكون خالقاً للجملة١.

ثالثاً: أنه إذا جعل وجود الرب مطلقاً بشرط الإطلاق، لم يجز أن ينعت بنعت يوجب امتيازه، فلا يقال هو واجب بنفسه، ولا ليس بواجب بنفسه، فلا يوصف بنفي، ولا إثبات، لأن هذا نوع من التمييز والتقييد، وهذا حقيقة قول القرامطة الباطنية الذين يمتنعون عن وصفه بالنفي والإثبات. ومعلوم أن الخلو عن النقيضين ممتنع، كما أن الجمع بين النقيضين ممتنع، وأما إذا قيد بسلب الأمور الثبوتية، دون العدمية، فهو أسوأ حالاً من المقيد بسلب الأمور الثبوتية والعدمية، فإنه يشارك غيره في مسمى الوجود، ويمتاز عنه بأمور وجودية، وهو يمتاز عنها بأمور عدمية، فيكون كل من الموجودات أكمل منه. فلزمهم أن يكون الوجود الواجب الذي لا يقبل العدم، هو الممتنع الذي لا يتصور وجوده في الخارج، وإنما يقدره الذهن تقديراً، كما يقدر كون الشيء موجوداً معدوماً، أو لا موجوداً ولا معدوماً. فلزمهم الجمع بين النقيضين والخلو عن النقيضين، وهذا من أعظم الممتنعات باتفاق العقلاء٢.

رابعاً: أن المطلق لا بشرط، كالإنسان المطلق لا بشرط، يصدق على هذا الإنسان، وهذا الإنسان، وعلى الذهني والخارجي، فالوجود المطلق لا بشرط يصدق على الواجب والممكن، والواحد والكثير، وحينئذ فهذا الوجود المطلق ليس موجوداً في الخارج مطلقاً بلا ريب٣.

فمن وصف الله بأنه وجود مطلق، فقد جعل الله ممتنع الوجود - تعالى الله عن قولهم -.


١ - انظر: درء التعارض ١/٢٨٦ - ٢٨٧.
٢ - انظر: المرجع السابق ١/٢٨٨ - ٢٨٩.
٣ - انظر: المرجع السابق ١/٢٩٠.

<<  <   >  >>