للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الثانية: عدم التزام معاني اللغة ودلالاتها]

...

٢ - عدم التزام معاني اللغة ودلالاتها.

لا يلتزم كثير من المتكلمين والفلاسفة معاني اللغة ودلالاتها في أبواب العقائد، وذلك لأن العقل عندهم إذا دل على شيء، وجب تأويل الألفاظ التي في النصوص، وتطويعها لتوافق عقولهم، وإن كان مخالفاً لدلالة اللغة.

يقول ابن عقيل١في بيان مذهبه في قبول أخبار الآحاد: "يجب قبولها حيث تلقاها أصحاب الحديث بالقبول، ويجب تأويلنا لبعضها على ما يدفعها عن ظاهرها، وإن كان من بعيد اللغة ونادرها، وهذا هو اعتقادنا "١. فهم يفسرون اللفظ بمعنى بعيد جداً ولا يحتمله اللفظ في ذلك الموضع، بل هو كما قال من بعيد اللغة ونادرها.

وبعض المتكلمين يحمل اللفظ معنى ليس هو من معانيه في لغة العرب التي نزل بها القرآن الكريم، يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: "وهم اصطلحوا بتلك العبارات على معان غير معانيها في لغة العرب، فتبقى إذا أطلقوا نفيها لم تدل في لغة العرب على باطل، ولكن تدل في اصطلاحهم الخاص على باطل"٣.

ومن الأمثلة على عدم التزامهم معاني اللغة في ألفاظ العقيدة، تفسيرهم الاستواء بالاستيلاء، وقد رد الإمام ابن القيم على هذا التحريف من اثنين وأربعين وجهاً، ومما قال في بيان مخالفتهم للغة: "إن أهل اللغة لما سمعوا ذلك أنكروه غاية الإنكار ولم يجعلوه من لغة العرب. قال ابن الأعرابي وقد سئل: هل يصح أن يكون استوى بمعنى استولى؟ فقال: لا تعرف العرب ذلك. وهذا هو من أكابر أئمة اللغة"٢.

ومن الأمثلة كذلك تعريفهم للواحد بأنه الذي لا ينقسم، أو أنه ما ليس بجسم، قال أبو المعالي: "الواحد في اصطلاح الأصوليين الشيء الذي لا ينقسم، ولو قيل الواحد هو


١ - الإمام العلامة البحر شيخ الحنابلة، أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن عبد الله البغدادي الظفري الحنبلي، المتكلم صاحب التصانيف، أخذ علم العقليات عن شيخي الاعتزال أبي علي بن الوليد وأبي القاسم بن التبان، صاحبي أبي الحسين البصري فانحرف عن السنة، له كتاب الفنون، وهو كتاب ضخم يقع في مجلدات عديدة. توفي سنة ٥١٣هـ. انظر: السير١٩/٤٤٣ - ٤٤٧.
١ - المسودة في أصول الفقه لآل تيمية ص ٢٤٨ - ٢٤٩.
٣ - درء التعارض ١/٢٢٣.
٢ مختصر الصواعق المرسلة ٢/٣٢٠.

<<  <   >  >>