للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان ممكناًًًً فإنه يجوز ألا يوجد، ما لم يتصل بالواجب، ولا يختلف هذا الحكم باختلاف أقسام الممكنات..فثبت أن كل ما عداه فهو مُلْكه ومَلكه، وتحت تصرفه، وقهره، وقدرته، واستيلائه"١.

ويبين هذا المعنى الثاني أبو البقاء في كلياته، حيث يقول: "ومرتبة توحيد الأفعال، وهو أن يتحقق ويعلم بعلم اليقين، أو بعين اليقين، أو بحق اليقين، أن لا مؤثر في الوجود إلا الله، وقد انكشف ذلك على الأشعري، وتحقيق مذهب الحكماء أيضا هو هذا، فالسالك بهذه المرتبة يكل أموره كلها إلى الفاعل الحقيقي"٢.

وينتقد أهل السنة منهج المتكلمين في توحيد الأفعال من جانبين:

الأول: إطالتهم في تقرير هذا التوحيد، والاستدلال له، مع أن الخلق مفطورون على الإقرار بوحدانية الله وربوبيته؛ مؤمنهم وكافرهم.

بل ويظن المتكلمون" أن هذا هو التوحيد المطلوب، وأن هذا هو معنى قولنا لا إله إلا الله، حتى قد يجعلون معنى الإلهية القدرة على الاختراع، ومعلوم أن المشركين من العرب، الذين بعث إليهم محمد - صلى الله عليه وسلم - أولاً، لم يكونوا يخالفونه في هذا، بل كانوا يقرون بأن الله خالق كل شيء، حتى إنهم كانوا مقرين بالقدر أيضا، وهم مع هذا مشركون"٣.

ومع اهتمام المتكلمين بتوحيد الأفعال، أهملوا تماماً توحيد الألوهية، والعبادة، مع أنه المقصود الأعظم للرسالة.

الثاني: اعتقاد متكلمي الأشاعرة والصوفية، أن تحقيق توحيد الأفعال يكون بنفي الأسباب، والقول بالجبر، "وأصل هذه البدعة من قول جهم، فإنه كان غالياً في نفي الصفات، وفي الجبر، فجعل من تمام توحيد الذات نفي الصفات، ومن تمام توحيد الأفعال نفي الأسباب، حتى أنكر تأثير قدرة العبد، بل نفى كونه قادراً، وأنكر الحكمة والرحمة"٤.


١ - مفاتيح الغيب ٤/١٧٢. وانظر: موسوعة مصطلحات الفخر الرازي ص٨٥٧.
٢ - الكليات ص ٩٣٢.
٣ - التدمرية ص ١٧٩ - ١٨٠، وانظر: اقتضاء الصراط المستقيم ٢/٨٥٤ - ٨٥٥.
٤ - رسالة في تحقيق التوكل لابن تيمية، ضمن جامع الرسائل جمع محمد رشاد سالم ص ٨٨.

<<  <   >  >>