للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بذلك أنهم لم ينطقوا بهذا اللفظ، فإنه قد تجدد بعدهم ألفاظ اصطلاحية، يعبر بها عما دل عليه كلامهم في الجملة، وذلك بمنزلة تنوع اللغات، وتركيب الألفاظ المفردات، وإنما المقصود أن المعنى الذي يقصده المثبتة، والنفاة، بلفظ الجوهر الفرد، لم يبن عليها أحد من سلف الأمة، وأئمتها، مسألة واحدة من مسائل الدين، ولا ربطوا بذلك حكماً علمياً ولا عملياً. وقد أطبق أئمة الإسلام على ذم من بنى دينه على الكلام في الجواهر والأعراض١.

الوجه الثاني: أن "هؤلاء الذين ادعوا توقف الإيمان بالله، واليوم الآخر، على ثبوته، قد شكوا فيه، وقد نفوه في آخر عمرهم؛ كإمام المتأخرين من المعتزلة أبي الحسين البصري، وإمام المتأخرين من الأشعرية أبي المعالي الجويني، وإمام المتأخرين من الفلاسفة والمتكلمين أبي عبد الله الرازي، فإنه في كتابه٢بعد أن بين توقف المعاد على ثبوته، وذكر ذلك غير مرة في أثناء مناظرته للفلاسفة، قال في المسألة لما أورد حجج نفاة الجوهر الفرد:..واعلم أنا نميل إلى التوقف في هذه المسألة، بسبب تعارض الأدلة، فإن إمام الحرمين صرح في كتاب التلخيص في أصول الفقه أن هذه المسألة من محارات العقول، وأبو الحسين البصري هو أحذق المعتزلة توقف فيها، فنحن أيضا نختار التوقف"٣.

الوجه الثالث: دعواهم أن هذا قول جمهور متكلمي المسلمين غير صحيح، بل هو قول أبي الهذيل العلاف، ومن اتبعه من متكلمي المعتزلة، والذين أخذوا ذلك عنهم.

وقد نفى الجوهر الفرد من أئمة المتكلمين من ليسوا دون من أثبته، بل الأئمة فيهم أكثر من الأئمة في أولئك، فنفاه حسين النجار٤وأصحابه، وضرار بن عمرو٥ وأصحابه،


١ - انظر: بيان تلبيس الجهمية ١/٢٨٣.
٢ - لم أتمكن من معرفة هذا الكتاب.
٣ - انظر: بيان تلبيس الجهمية ١/٢٨٣.
٤ - رأس فرقة النجارية، سبق التعريف به عند التعريف بفرقة النجارية ص ٢٦١من البحث.
٥ - رأس فرقة الضرارية، سبق التعريف به عند التعريف بفرقة الضرارية ص٢٦١من البحث.

<<  <   >  >>