للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويذكر الباقلاني أنواع المعدوم فيقول: "والمعدوم منتف ليس بشيء، فمنه معلوم معدوم لم يوجد قط، ولا يصح أن يوجد، وهو المحال الممتنع الذي ليس بشيء، وهو القول المتناقض، نحو اجتماع الضدين، وكون الجسم في مكانين، وما جرى مجرى ذلك مما لم يوجد قط ولا يوجد أبداً. ومنه معدوم لم يوجد قط ولا يوجد أبداً، وهو مما يصح ويمكن أن يوجد، نحو ما علم الله أنه لا يكون من مقدوراته..ومعلوم معدوم في وقتنا هذا وسيوجد فيما بعد نحو الحشر والنشر"١.

ويرى كثير من المعتزلة، والرافضة، أن المعدوم شيء، يقول ابن رشد: "وهذا المعدوم الممكن، ليس هو ممكناً من جهة ما هو معدوم، ولا من جهة ما هو موجود بالفعل، وإنما هو ممكن من جهة ماهو بالقوة. ولهذا قالت المعتزلة إن المعدوم هو ذات ما؛ أعني المعدوم في نفسه، من جهة ما هو بالقوة، أعني أنه من جهة القوة، والإمكان، الذي له، يلزم أن يكون ذاتاً ما في نفسه، فإن العدم ذات ما"٢.

ويقول الرازي: "المعدوم إما أن يكون ممتنع الثبوت، ولا نزاع في أنه نفي محض، وإما أن يكون ممكن الثبوت، وهو عندنا، وعند أبي الهذيل، وأبي الحسين البصري من المعتزلة، نفي محض، خلافاً للباقين من المعتزلة"٣.

والقول بأن المعدوم شيء ثابت في العدم، هو مذهب باطل بالعقل الموافق للكتاب والسنة والإجماع. فالعدم يضاد الوجود والثبوت، فكيف يكون المعدوم شيء ثابت في العدم؟ فهذا قول ظاهر التناقض.

وإنما غلط هؤلاء من حيث لم يفرقوا بين علم الله بالأشياء قبل كونها، وأنها مثبتة عنده في أم الكتاب، في اللوح المحفوظ، وبين ثبوتها في الخارج عن علم الله - تعالى -، ومذهب أهل السنة والجماعة أن الله - سبحانه وتعالى - كتب في اللوح المحفوظ مقادير الخلائق، قبل أن يخلقها، فيفرقون بين الوجود العلمي، وبين الوجود العيني٤. وبفهم ذلك يتضح حقيقة المعدوم، وأنه يعني المنتفي الذي لا وجود له.


١ - التمهيد ص٤٠.
٢ - تهافت التهافت ص٧٧.
٣ - المحصل ص٥٥، وانظر: الكليات ص٦٥٥، درء التعارض ٥/١٠٢.
٤ - انظر: مجموع الفتاوى ٢/٤٦٩ - ٤٧٠، الجواب الصحيح ٤/٣٠٠، الدرء ٢/٢٨٩.

<<  <   >  >>