للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤ - الرد على الفلاسفة:

لقد اضطرب الفلاسفة في تعريفهم للمكن، حيث جعلوه ممكناً ثم أطلقوا لفظ الواجب عليه، وقالوا إن الممكن ما لوجوده علة، وجعلوه ملازماً لهذه العلة فكان الممكن أزلياً كعلته، وهذا ظاهر البطلان، ويتضح بطلانه من خلال الوجوه الآتية:

أولاً: أن الفلاسفة تناقضوا حيث جعلوا العالم ممكن الوجود، مع قولهم بأنه قديم لم يزل، فقول القائل إن الممكن هو الذي يقبل الوجود والعدم، مع قوله بأنه لم يزل موجوداً، جمع بين قولين متناقضين، وإذا قيل هو ممكن باعتبار ذاته كان قوله أيضاً متناقضاً، سواء عنى بذاته الوجود في الخارج، أو شيئاً آخر يقبل الوجود في الخارج، فإن تلك الذات إذا لم تزل موجودة ووجودها واجب، لم تكن قابلة للعدم أصلاً، ولم يكن عدمها ممكن أصلاً١.

ثانياً: أن القائلين بأن العالم ممكن وهو قديم كابن سينا، وأمثاله، من متأخري الفلاسفة، قد خالفوا معلمهم أرسطو، كما خالفوا سائر العقلاء، فلم يقل أرسطو أن الفلك قديم، وهو ممكن بذاته، بل كان عندهم ما عند سائر العقلاء، أن الممكن هو الذي يمكن وجوده وعدمه، ولا يكون كذلك إلا ما كان محدثاً، والفلك عندهم ليس بممكن، بل هو قديم لم يزل، وحقيقة قولهم أنه واجب لم يزل، ولا يزال٢.

فالممكن هو المحدث عند عامة العقلاء من الفلاسفة وغيرهم، والمحدث لا بد له من فاعل وهذا أيضاً معلوم، بين، مسلّم عند عامة العقلاء٣.

ثالثاً: أن حقيقة قولهم أنهم قدروا أموراً متسلسلة كل منها واجب الوجود، ضروري يمتنع عدمه، وكل منها معلول وسموه باعتبار ذلك ممكناً، وقالوا إنه يقبل الوجود والعدم، وحينئذ فلا يمكنهم إثبات افتقار واحد منها إلى علة، فضلاً عن افتقارها كلها، ويعود الأمر إلى الممكن الذي أثبتوه، وهو الضروري الواجب الوجود القديم الأزلي، هل يفتقر إلى فاعل ومرجح يرجح وجوده على عدمه، وقد عرف أنه ليس لهم على ذلك دليل، بل جميع العقلاء يقولون إن هذا لا يفتقر إلى فاعل، ولهذا لما بنوا إثبات واجب الوجود على


١ - انظر: منهاج السنة ١/٣٧٧.
٢ - انظر: مجموع الفتاوى ٥/٥٤٠.
٣ - انظر: الدرء ٨/١٧٢.

<<  <   >  >>