للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالفلاسفة المتأخرون غالب ما يسمون الرب - تعالى - بواجب الوجود١، وقلدهم في ذلك متأخرو الأشاعرة٢، وهذا غير صحيح؛ لعدم ورود هذا اللفظ، فضلاً عن أن يكون من الأسماء الحسنى.

وأهل السنة قد يطلقون واجب الوجود على الله، من باب الإخبار عن الله، وذلك في المناظرات، والمناقشات، مع من يستخدم هذا اللفظ. كما أنهم يرون أن الوجوب الذي دل عليه الدليل هو وجوده - سبحانه - بنفسه، واستغناؤه عن موجد. بينما يضيف الفلاسفة إلى هذا اللفظ معاني أخرى غير صحيحة.

يقول شيخ الإسلام عن ابن سينا: "فسلك طريق تقسيم الوجود إلى الواجب والممكن، كما يقسمونه هم إلى القديم والمحدث٣. وتكلم على خصائص واجب الوجود بكلام بعضه حق وبعضه باطل، لأن الوجوب الذي دل عليه الدليل، إنما هو وجوده بنفسه، واستغناؤه عن موجد، فحمل هو هذا اللفظ ما لا دليل عليه، مثل عدم الصفات، وأشياء غير هذه. وهذا اشتقه من كلام المعتزلة في القديم، فلما أثبتوا قديماً، وأخذوا يجعلون القدم مستلزماً لما يدعونه من نفي الصفات، جعلوا الوجود٤ الذي ادعاه، كالقدم الذي ادعوه، وليس في واحد منهما ما يدل على مقصود الطائفتين"٥.

ولفظ واجب الوجود فيه إجمال؛ فقد يراد به الموجود بنفسه، الذي لا فاعل له، ولا علة فاعلة له، وذات الرب - عز وجل - وصفاته واجبة الوجود بهذا الاعتبار. ويراد به مع ذلك المستغني عن محل يقوم به، والذات بهذا المعنى واجبة دون الصفات. ويراد به ما لا تعلق له بغيره، أو ما لا يلازم غيره لينفوا بذلك صفاته اللازمة له وهذا باطل٦. ولذلك لابد من الاستفصال عن المراد بهذا اللفظ.


١ - انظر: درء التعارض ٢/٣٩١.
٢ - انظر: شرح أسماء الله الحسنى ص٣٥٩.
٣ - أي كما يقسمه المتكلمون من المعتزلة وأمثالهم.
٤ - لعلها الوجوب.
٥ - الصفدية ٢/١٨١، وانظر: منهاج السنة النبوية ٢/١٣١ - ١٣٢.
٦ - انظر: الجواب الصحيح ٣/٢٨٩ - ٢٩٠، منهاج السنة ٢/١٣١ - ١٣٢، درء التعارض٨/١٢٣ - ١٢، الصفدية٢/٢٨ - ٢٩.

<<  <   >  >>