للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يستدل به على المحدث، لا يحتاج أن يستدل على حدوثه بمقارنة التغير أو الحوادث له، والفرق بين الاستدلال بحدوثه، والاستدلال على حدوثه بين، والذي في القرآن هو الأول لا الثاني؛ كما قال - تعالى -: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ} [الطور - ٣٥] ، فنفس حدوث الحيوان، والنبات، والمعدن، والمطر، والسحاب، ونحو ذلك معلوم بالضرورة، بل مشهود لا يحتاج إلى دليل، وإنما يعلم بالدليل ما لم يعلم بالحس وبالضرورة١.

ثالثاً: أنهم بنوا دليلهم على أن أجسام العالم محدثة، وكل محدث فله محدث، أما المقدمة الأولى فقد تبين تناقضهم فيها، وأنهم التزموا لأجلها أما جحد صفات الله، وأفعاله القائمة به، وإما جحد بعض ذلك، وأنهم اشترطوا في خلق الله - تعالى - للعالم، ما ينافي خلق العالم، فسلطوا عليهم أهل الملل، والفلاسفة جميعا٢. فقد سبق خلافهم في تعريف الجسم، وفيما يتركب منه الجسم، وأنهم رتبوا عليه نفي الصفات أو بعضها عن الله - تعالى -.

رابعاً: أن المقدمة الثانية في دليلهم "وكل محدث فله محدث" أظهر وأعرف وأبْده في العقول من أن تحتاج إلى بيان، فبنوها على أن كل محدث، فهو ممكن الوجود، وأن الممكن يحتاج في وجوده إلى مؤثر موجود، وكل من هاتين المقدمتين صحيحة في نفسها، مع أن القول بافتقار المحَدث، إلى المحِدث أبين وأظهر في العقل، من القول بافتقار الممكن، إلى المؤثر الموجود، فبتقدير بيانهم للمقدمتين، يكونون قد طولوا، وداروا بالعقول، دورة تبعد على العقول معرفة الله - تعالى -، والإقرار بثبوته، وقد يحصل لها في تلك الدورة من الآفات ما يقطعها عن المقصود٣.

خامساً: أن بعض الفلاسفة قد بينوا فساد هذا الدليل، ومنهم ابن رشد، يقول في نقد هذا الدليل: "وطريقتهم التي سلكوا في بيان حدوث الجزء الذي لا يتجزأ - وهو الذي يسمونه الجوهر الفرد -، طريقة معتاصة، تذهب على كثير من أهل الرياضة في صناعة الجدل، فضلا


١ - انظر: درء التعارض ٧/٢١٩.
٢ - انظر: المرجع السابق ٣/٧٣.
٣ - انظر: المرجع السابق ٣/٧٣، ٢٨٦.

<<  <   >  >>