للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بحدوث الصفات؛ بناء على أن هذه الحوادث المشهود حدوثها لم تحدث ذواتها، بل الجواهر، والأجسام، التي كانت موجودة قبل ذلك؛ لم تزل من حين حدوثها، بتقدير حدوثها، ولا تزال موجودة، وإنما تغيرت صفاتها، بتقدير حدوثها، كما تتغير صفات الجسم إذا تحرك بعد السكون، وكما تتغير ألوانه، وكما تتغير أشكاله، وهذا مما ينكره عليهم جماهير العقلاء من المسلمين، وغيرهم١.

ثانياً: أن الاستدلال بحدوث الصفات على طريقتهم، أخفى من الاستدلال بحدوث الأجسام، إذ حدوث الأجسام ظاهر، كما أن الصفة تبع للجسم، فإذا ثبت حدوث الجسم، ثبت حدوث الصفة.

ثالثاً: أن حقيقة قول الجهمية، والمعتزلة، ومن وافقهم من الأشعرية، وغيرهم، أن الرب لم يزل معطلاً فلا يفعل شيئاً، ولا يتكلم بمشيته وقدرته، ثم إنه أبدع جواهر من غير فعل يقوم به، وبعد ذلك ما بقي يخلق شيئاً، بل إنما تحدث صفات تقوم بها، ويدعون أن هذا قول أهل الملل الأنبياء وأتباعهم٢، وهذا باطل.

رابعاً: أن من اعتمد في حدوث الصفات، على أن هذا يدل على الإمكان، والممكن لابد له من واجب، فقد أطال الدليل بدون حاجة، واستدل على الأظهر بالأخفى، وهذا بلاشك يبعد عن المقصود.

فالصواب إذاً هو الاستدلال بحدوث المخلوقات على الخالق العظيم، وليس الاقتصار على حدوث صفاتها، كما ينبغي أن يكون الدليل خالياً من الألفاظ المجملة؛ لأنها سبب الاضطراب والاختلاف.


١ - انظر: درء التعارض ٣/٨٣، مجموع الفتاوى١٧/٢٤٦.
٢ - انظر: درء التعارض ٣/٨٤.

<<  <   >  >>