للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خامساً: أن الذي أخبرت به الرسل، ودلت عليه العقول، واتفق عليه جماهير العقلاء من الأولين والآخرين، أن الله خالق كل شيء، وأن كل ما سواه مخلوق له، وكل مخلوق محدث مسبوق بالعدم، وأما تغيير هولاء للفظ المحدث، وقولهم إنا نقول إنه محدث حدوثاً ذاتياً، بمعنى أنه معلول، فهذا من تحريف الكلم عن مواضعه، فإن المحدث معلوم أنه قد كان بعد أن لم يكن، وأنه مفعول أحدثه محدث إحداثاً. وما لم يزل ولا يزال فلا يسميه أحد من العقلاء في لغة من اللغات محدثاً١.

سادساً: أن ما يذكرونه من اقتران المعلول بعلته، فإذا أريد بالعلة ما يكون مبدعاً للمعلول، فهذا باطل بصريح العقل، وبهذا تقر جميع الفطر السليمة، فالإقرار بأنه خالق كل شيء يوجب أن يكون كل ما سواه محدثاً مسبوقاً بالعدم. وإن قدر دوام الخالقية لمخلوق بعد مخلوق، فهذا لا ينافي أن يكون خالقاً لكل شيء، وكل ما سواه محدث مسبوق بالعدم. وأما إذا أريد بالعلة ما ليس كذلك كما يمثلون به من حركة الخاتم بحركة اليد، وحصول الشعاع عن الشمس، فليس هذا من باب الفاعل في شيء، بل هو من باب المشروط، والشرط قد يقارن المشروط، وأما الفاعل فيمتنع أن يقارنه مفعوله المعين، وإن لم يمتنع أن يكون فاعلاً لشيء بعد شيء٢.

سابعاً: أن العلة أصلها التغيير كالمرض الذي يحيل البدن عن صحته، والعليل ضد الصحيح، وقد قيل إنه لا يقال معلول إلا في الشرب، يقال شرب الماء علاً بعد نهل، وعللته إذا سقيته مرة ثانية، ولم يرد في لغة العرب المعنى الذي يذكره الفلاسفة للعلة والمعلول٣.

وبهذا يتبين ما يعنيه الفلاسفة بلفظ العلة والمعلول، ومقارنة المعلول لعلته، وأنهم يريدون بذلك أن العالم قديم أزلي، وهذا ينفي الخالق، والردود السابقة تبين شيئاً من ضلالهم، وباطلهم.


١ - انظر: الرد على المنطقيين ٣٨١.
٢ - انظر: المرجع السابق ص١٤٧ - ١٤٩.
٣ - انظر: مجموع الفتاوى ٤/١٣٣.

<<  <   >  >>