للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يسمعه من الله - عز وجل -، إنه يشرك به، ويجعل له الولد، ثم هو يعافيهم، ويرزقهم" ١. وما ذكره الله في كتابه من إبطال التولد، وهو حصول الولد، يبطل قول الفلاسفة عقلاً وسمعاً، قال - تعالى -: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام - ١٠١] ، وذلك أن التولد لا يكون إلا عن أصلين، فيمتنع أن يكون له ولد من غير صاحبة، وهو - سبحانه - لم يكن له كفواً أحد، والفلاسفة جعلوه واحداً، وجعلوا العالم معلولاً عنه، وقالوا: الواحد لا يصدر عنه إلا واحد وهذا باطل، فإن الواحد البسيط لا يصدر عنه وحده شيء، بل الواحد الذي قدروه إنما يوجد في الأذهان لا في الأعيان، ولا يصدر في العالم العلوي والسفلي أثر إلا عن سببين فأكثر، فالنار إذا أحرقت إنما تحرق بشرط قبول المحل لإحراقها، وكذلك جميع الأمور، قال الله - تعالى -: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات - ٤٩] ، فلو كان العالم معلولاً متولداً عن الله، لكان له مقارناً، يصدر التولد عنهما جميعاً، فإن التولد لا يكون إلا عن أصلين، فإثبات التعليل والتولد، يقتضي إثبات شريك في إبداع العالم، وهذا لازم لهم لا محيد عنه٢.

وفي قوله - تعالى -: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام - ١٠١] ، ثلاث أدلة على نفي الولد والتولد عنه:

أحدها: كونه ليس له صاحبة فهذا نفي الولادة المعهودة.

وقوله: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} نفي للولادة العقلية وهي التولد، لأن خلق كل شيء ينافي تولدها عنه.

وقوله: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} يشبه - والله أعلم - أن يكون لما ادعت النصارى أن المتحد به هو الكلمة، التي يفسرونها بالعلم، والصابئة القائلون بالتولد، والعلة، لا يجعلونه عالماً بكل شيء، ذكر أنه بكل شيء عليم لإثبات هذه الصفة له رداً على الصابئة، ونفيها عن غيره ردا على النصارى٣.


١ - سبق تخريجه ص١٦٨ من البحث.
٢ - انظر: الصفدية١/٢١٦، ٢١٧، الدرء٧/٣٦٩، الجواب الصحيح ٤/٤٧٥.
٣ - انظر: مجموع الفتاوى ٢/٤٤٥، بدائع الفوائد ٤/٩٦١ - ٩٦٢.

<<  <   >  >>