للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكثير من متكلمي الأشاعرة ومن وافقهم لم يعرفوا الفرق بين المعجزة والسحر والكرامة، فجعلوا الخوارق جنساً واحداً، وقالوا كلها يمكن أن تكون معجزة إذا اقترنت بدعوى النبوة، والاستدلال بها والتحدي بمثلها، وإذا ادعى النبوة من ليس بنبي من الكفار والسحرة فلابد أن يسلبه الله ما كان معه من ذلك، وأن يقيض له من يعارضه، ولو عارض واحد من هؤلاء النبي لأعجزه الله١. وقابلهم الفلاسفة فجعلوا الجميع قوة نفسانية، وكلا القولين باطل، وإن كان قول الفلاسفة أكثر بطلاناً لأنه مبني على أن النبوة مكتسبة.

وأما حصر كثير من المعتزلة للسحر في التخييل والوهم ففاسد، مخالف للواقع من حال السحرة وما يحصل منهم، وأبطل منه إنكارهم للجن وهو مخالف لصريح القرآن.

أما الأشاعرة ومن وافقهم فقد وضعوا شروطاً للمعجزة من غير دليل يدل على صحة ما ذهبوا إليه، فهو تحكم ممنوع، بل من الممكن أن يبتلي الله الناس بمدع للنبوة مؤيد بخارق من السحر، ولا يعارضه أحد. لكن المدعي يظهر أن سمته ليس هو سمت الأنبياء، حيث يظهر على المدعي من الفجور واستحواذ الشياطين عليه ما يفضح حاله.

٤ - حكم السحر:

السحر حرام بلا خلاف بين أهل العلم٢، وهل يكفر الساحر أم لا؟ فيه تفصيل، يقول الإمام الشافعي: "والسحر اسم جامع لمعان مختلفة، فيقال للساحر صف السحر الذي تسحر به، فإن كان ما يسحر به كلام كفر صريح استتيب منه، فإن تاب وإلا قتل وأخذ ماله فيئا، وإن كان ما يسحر به كلاماً لا يكون كفراً، وكان غير معروف، ولم يضر به أحداً نهى عنه، فإن عاد عزر، وإن كان يعلم أنه يضر به أحداً من غير قتل فعمد أن يعمله عزر، وإن كان يعمل عملاً إذا عمله قتل المعمول به، وقال عمدت قتله، قتل به قوداً، إلا أن يشاء أولياؤه أن يأخذوا ديته.."٣.


١ - انظر: الإرشاد للجويني ص ٣٠٩ - ٣١٥، أصول الدين ص١٧٠ - ١٧٥، مجموع الفتاوى ١٣/٩٠.
٢ - انظر: مجموع الفتاوى ٣٥/١٧١، حاشية ابن عابدين ٤/٢٤٠، المبدع لإبراهيم ابن مفلح ٩/١٨٨.
٣ - الأم١/٢٥٦، وانظر: الفروع لمحمد بن مفلح المقدسي ٦/١٦٨، الإنصاف للمرداوي١٠/٣٤٩ - ٣٥١، شرح الطحاوية ٢/٧٦٤.

<<  <   >  >>