للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هَذِه الْولَايَة الَّتِي استولينا عَلَيْهَا لَا حِيلَة لنا سوى أَن نَخْتَار من بَيْننَا أليقنا واكفأنا ونجعله أَمِيرا علينا نأتمر بأَمْره على أَنه البتكين فَقَالُوا جَمِيعًا لَا علاج لأمرنا سوى هَذَا ثمَّ أخذُوا يستعرضون الغلمان المقدمين مبينين مَا على كل مِنْهُم من مَأْخَذ وعيوب إِلَى أَن وصلوا إِلَى سبكتكين فَوَجَمَ الْجَمِيع حِين ذكر اسْمه لكنه نَهَضَ من بَينهم من قَالَ لَا عيب فِي سبكتكين سوى أَن فِي الغلمان الاخرين من اشْترِي قبله وَأكْثر مِنْهُ خدمَة وَإِلَّا فَإِنَّهُ لَا ينقصهُ شَيْء من حَيْثُ الفطنة والذكاء والنزال والشجاعة والمروءة والسخاء والبذل ومراعاة النَّاس وَحسن الصُّحْبَة وَالْعشرَة والدماثة وَالْخَوْف من الله وَالْوَفَاء بالعهد والصدق والاستقامة لقد رباه مَوْلَانَا البتكين فَكَانَت أَفعاله تلقى من لَدنه كل رضى وَقبُول دَائِما ثمَّ إِنَّه يجمع سيرة مَوْلَانَا وخصاله جَمِيعهَا وَيعرف لكل منا قدره ومكانته جيدا هَذَا مَا أعرفهُ عَنهُ والرأي مَا تَرَوْنَهُ

وتشعبوا فِي حَدِيثهمْ ثمَّ اتَّفقُوا أخيرا على تنصيب سبكتكين أَمِيرا عَلَيْهِم ورد سبكتكين تنصيبهم لَهُ لكِنهمْ أجبروه على ذَلِك وَحِينَئِذٍ قَالَ إِن لم يكن ثمَّة مناص فإنني أقبل هَذَا العبء على أَن تهبوا معي هبة رجل وَاحِد على كل من يخالفني أَو يشق عَصا طَاعَتي أَو ينْبذ أوامري ظهريا ويتوانى فِي تنفيذها مِنْكُم وتقتلوه فعاهدوه أوثق عهد وأقسموا على ذَلِك ثمَّ أَخَذُوهُ وأجلسوه مَكَان البتكين وسلموا عَلَيْهِ بِسَلام الْأَمِير ونثروا الذَّهَب وَالْفِضَّة من حوله وتكللت كل تدابير سبكتكين وحملاته بالسداد والنجاح ثمَّ تزوج من إبنة رَئِيس زابل زابلستان الَّتِي ولدت لَهُ مَحْمُودًا وَلِهَذَا قيل لَهُ مَحْمُود الزابلي وَلما كبر مَحْمُود شَارك وَالِده فِي حملات وأسفار كَثِيرَة

وأنعم خَليفَة بَغْدَاد بلقب نَاصِر الدّين على سبكتكين لما قَامَ بِهِ من أَعمال جليلة وأحرز من انتصارات عَظِيمَة فِي ديار الْهِنْد

وَلما توفّي سبكتكين خَلفه ابْنه السُّلْطَان مَحْمُود الَّذِي كَانَ قد ثقف عَن وَالِده تَدْبِير شؤون الْملك وإدارتها وَكَانَ مَحْمُود كَاتبا وقارئا يهوى الاصغاء إِلَى أَخْبَار الْمُلُوك دَائِما وَلَقَد حَاز كل الصِّفَات وَالسير الحميدة

وَمضى مَحْمُود فِي طَرِيق الْفَتْح فَفتح ولَايَة نيمروز وَاسْتولى على خُرَاسَان أما الْهِنْد فتوغل فِيهَا كثيرا وَاسْتولى على سومنات وجلب مَنَاة وتغلب على مُلُوكهَا وَهَزَمَهُمْ وَوصل أمره إِلَى مَا وصل إِلَيْهِ

لقد هدفت من وَرَاء هَذِه الْحِكَايَة أَن يعلم سيد الْعَالم خلد الله ملكه كَيفَ يكون

<<  <   >  >>