الْمُشَاورَة فِي الْأُمُور من قُوَّة رَأْي الْمَرْء وَكَمَال عقله وَبعد نظره فَلِكُل امرىء علم وَالنَّاس متفاوتون فِيمَا يعْرفُونَ فثمة كثير الْعلم والدراية واخر قليلهما وَمِنْهُم ذُو الْعلم الَّذِي لم يزاوله وَلم تعركه التجارب واخر عَالم خَبِير مجرب فَالَّذِي قَرَأَ علاج الالام والأدواء وَحفظ أَسمَاء الْأَدْوِيَة جَمِيعهَا من بطُون الْكتب حسب لَا يُمكن بأية حَال أَن يقف على قدم الْمُسَاوَاة مَعَ من عالج الْأَمْرَاض والعلل مَرَّات كَثِيرَة وَعرف الْأَدْوِيَة عَن خبْرَة وتجربة وَلَا يُمكن كَذَلِك مُسَاوَاة من سَافر كثيرا وطوف فِي الافاق وذاق حرهَا وبردها عَرك الْأَعْمَال بِنَفسِهِ بِمن لم يُسَافر وَلم يجب الْبلدَانِ ويقتحم ميدان الْعَمَل أَو يخض غمار الْأُمُور قطّ قيل فِي هَذَا الْمَعْنى يَنْبَغِي تدبر الْأُمُور باستشارة الْحُكَمَاء والمسنين وَذَوي التجارب والأسفار وَمن النَّاس أَيْضا من هُوَ متوقد الذِّهْن يتَبَيَّن الْأُمُور بِسُرْعَة وَمن هُوَ بطيء الْفَهم قَالَت الْحُكَمَاء إِن تَدْبِير رجل وَاحِد بِقُوَّة رجل وَاحِد وتدبير اثْنَيْنِ بِقُوَّة اثْنَيْنِ وتدبير عشرَة بِقُوَّة عشرَة
وعَلى أَيَّة حَال فطاقة عشرَة رجال أَكثر من طَاقَة رجل وَاحِد وَأقوى وخطة عشرَة أشخاص أقوى من خطة شَخْصَيْنِ أَو ثَلَاثَة أَو خَمْسَة وَالنَّاس قاطبة متفقون على أَنه لم يكن فِي الْبشر أعلم وَأحكم من نَبينَا مُحَمَّد الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد اجْتمعت لَهُ الْعُلُوم كلهَا وَكَانَ يعرف الْمُسْتَقْبل مَعْرفَته الْمَاضِي وَقد اطلع على السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجنَّة وَالنَّار واللوح والقلم وَالْعرش والكرسي وَمَا بَين كل اثْنَيْنِ مِنْهَا وَكَانَ جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام يهْبط عَلَيْهِ دَائِما ويوحي إِلَيْهِ بِمَا كَانَ وَبِمَا لم يكن وَمَعَ مَا كَانَ لَهُ من فَضَائِل ومعجزات فقد خاطبه الله تَعَالَى بقوله {وشاورهم فِي الْأَمر} وَمَعَ أَن