السُّلْطَان مَحْمُود وَالْقَاضِي الخائن
وَوَقع للسُّلْطَان مَحْمُود مثل هَذَا فقد نَاوَلَهُ رجل فِي الطَّرِيق شكوى فِيهَا وضعت عِنْد قَاضِي الْمَدِينَة ألفي دِينَار فِي كيس ديباج أَخْضَر مربوطا بإحكام ومختوما وَدِيعَة وَذَهَبت فِي سفر غير أَن اللُّصُوص على طَرِيق الْهِنْد سلبوني كل مَا كنت حملت معي فعدت واستعدت من القَاضِي وديعتي لكنني لما وصلت إِلَى الْبَيْت وَفتحت الْكيس فَإِذا مَا بِهِ دَنَانِير نحاسية فَرَجَعت إِلَى القَاضِي وَقلت لَهُ لقد أودعتك كيسا مليئا بِالذَّهَب لَكِن مَا فِيهِ الان نُحَاس فَأنى يكون هَذَا قَالَ أأريتني الذَّهَب أَو وزنته أَو عددته لما أودعتنيه لقد أودعتني كيسا مربوطا بإحكام ومختوما وَهَكَذَا استعدته وحينذاك سَأَلتك أَهَذا هُوَ كيسك والختم ختمك قلت هُوَ عينه وأخذته وانصرفت بالسلامة والان تَأتي بِهَذَا الزَّعْم الْبَاطِل الله الله أَيهَا الْملك الْعَادِل أَغِثْنِي فإنني لَا أقدر على رغيف خبز وَاحِد
فتألم السُّلْطَان مَحْمُود لحاله وَقَالَ لتهدأ بَالا فسأتولى أَمرك بنفسي إذهب وأحضر الْكيس فَذهب الرجل وأحضره إِلَى مَحْمُود فقلبه وعاينه بدقة من كل أَطْرَافه لكنه لم يهتد إِلَى مَا يوحي بفتحه فَقَالَ للرجل اتركه عِنْدِي وَقد جعلت لَك ثَلَاثَة منوات خبز وَمن لحم يوميا وَعشرَة دَنَانِير شهريا من وكيلنا إِلَى أَن أتدبر أَمر ذهبك وَحَتَّى لَا تبقى دون مؤونة
وَفِي ظهيرة أحد الْأَيَّام وَقت القيلولة وضع السُّلْطَان مَحْمُود الْكيس أَمَامه وَجعل يفكر كَيفَ اسْتَطَاعَ ذَلِك وهداه تفكيره أخيرا إِلَى أَنه رُبمَا فتح الْكيس وَأخرج ذهبه ثمَّ رفي ثَانِيَة
وَكَانَ لمحمود غطاء مَذْهَب جميل مَوضِع على أحد المفارش وَفِي منتصف إِحْدَى اللَّيَالِي نَهَضَ مَحْمُود وَهَبَطَ من سطح الْبَيْت وَتَنَاول سكينا قد بهَا الغطاء مِقْدَار ذِرَاع ثمَّ عَاد إِلَى مَكَانَهُ واستيقظ فِي الصَّباح الباكر وَهَبَطَ من على السّقف أَيْضا وَخرج إِلَى الصَّيْد لثَلَاثَة أَيَّام
وَكَانَ للمكان الَّذِي فِيهِ الغطاء فرَاش خَاص يقوم على تنظيفه فَلَمَّا ذهب إِلَيْهِ فِي الصَّباح وجده مشقوقا بِمِقْدَار ذِرَاع من وَسطه فخاف وغلبه الْبكاء خوفًا فَلَمَّا رَاه فرَاش اخر كَانَ فِي بَيت الْفراش يبكي هَكَذَا سَأَلَهُ مَاذَا حدث قَالَ كَانَ لأحد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute