وَذهب الشَّاب إِلَى القَاضِي وَجلسَ بِالْقربِ مِنْهُ وَقَالَ لَهُ مَا أمره بِهِ عضد الدولة ففكر القَاضِي فِي نَفسه أَنه إِذا مَا شنع هَذَا الرجل عَليّ وَذهب إِلَى عضد الدولة فسيرتاب فِي أَمْرِي وَلَا يُرْسل تِلْكَ الْأَمْوَال إِلَى بَيْتِي من الأصوب ان أُعِيد للرجل مَاله لِأَن مائَة وَخمسين إبريقا مَمْلُوءَة ذَهَبا وعددا من الْجَوَاهِر أحسم على أَيَّة حَال فِي نِهَايَة الْأَمر من إبريقي ذهب اثْنَيْنِ وَقَالَ للشاب اصبر قَلِيلا فقد كنت أبحث عَنْك فِي شَتَّى أرجاء الدُّنْيَا وَبعد قَلِيل نَهَضَ القَاضِي وَدخل حجرَة ثمَّ نَادَى على الشَّاب ووقف إِلَى جَانِبه وَقَالَ أَنْت صديقي وَابْن صديقي وَأَنت مني بِمَنْزِلَة ابْني مَا فعلت ذَلِك مَعَك إِلَّا احْتِيَاطًا ومنذ ذَلِك الْوَقْت وَأَنا فِي طَلَبك الْحَمد لله أنني رَأَيْتُك ثَانِيَة لأتخلص من عبء أمانتك فذهبك مَا زَالَ كَمَا هُوَ فِي مَكَانَهُ ونهض القَاضِي فأحضر الإبريقين وَقَالَ أَهَذا ذهبك قَالَ الشَّاب أجل قَالَ اذْهَبْ الان إِلَى أَي مَكَان تشَاء فَخرج الشَّاب وأتى بحمالين إِلَى منزل القَاضِي وحملهما الإبريقين وَمضى بهما إِلَى قصر عضد الدولة
وَكَانَ عضد الدولة فِي مجْلِس فِيهِ جَمِيع كبار الدولة لما دخل الرجل عَلَيْهِ بالإبريقين وَسلم فوضعهما أَمَام عضد الدولة الَّذِي استغرق فِي الضحك وَقَالَ الْحَمد لله أَنَّك توصلت إِلَى حَقك وَأَن خِيَانَة القَاضِي قد ثبتَتْ أَتَدْرِي مَا التدابير الَّتِي اتخذناها والسبل الَّتِي اتبعناها حَتَّى توصلت إِلَى ذهبك وتساءل الْحَاضِرُونَ عَن الْأَمر فسرد عصد الدولة عَلَيْهِم حِكَايَة الشَّاب والسبل الَّتِي سلكها هُوَ فِي ذَلِك فتملكهم الْعجب جَمِيعًا ثمَّ أَمر عضد الدولة حَاجِبه الْأَكْبَر ان اذْهَبْ وجئني بقاضي الْمَدِينَة حاسر الرَّأْس وعمامته ملفوفة حول عُنُقه وَلما أحضر القَاضِي إِلَى عضد الدولة بِهَذِهِ الْهَيْئَة وَنظر فَرَأى الشَّاب وَاقِفًا ثمَّة وَرَأى الإبريقين أَمَام عضد الدولة قَالَ واحسرتاه لقد قضي عَليّ وَأدْركَ ان كل مَا قَالَه لَهُ عضد الدولة وأظهره عَلَيْهِ لم يكن إِلَّا لأجل هذَيْن الإبريقين وَقَالَ لَهُ عضد الدولة أَن ترتكب أَنْت خِيَانَة وتضيع الْأَمَانَة وَأَنت رجل مسن وعالم وقاض فَكيف بالاخرين إِذن لقد بَان الان أَن كل مَا تملك وَمَا أنشأت لَيْسَ إِلَّا من أَمْوَال الْمُسلمين والرشوة إِنَّنِي مجازيك بِمَا تسْتَحقّ فِي الدُّنْيَا لَكِن الله هُوَ الَّذِي يعاقبك فِي الاخرة وإنني أهبك حياتك لسنك وعلمك أما أموالك وأملاكك فللخزينة كلهَا وصادر مَا كَانَ لَدَيْهِ من اموال وممتلكات وَلم يوله الْقَضَاء أَو أَي عمل اخر بعد ذَلِك ثمَّ أعْطى الشَّاب إبريقي ذهبه كَمَا هما
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute