الْفَصْل الثَّالِث
فِي جُلُوس الْملك للمظالم والتحلي بالخصال الحميدة
لَا بُد للْملك من الْجُلُوس للمظالم يَوْمَيْنِ فِي الْأُسْبُوع لاستلال الْعدْل من الظَّالِمين وأنصاف الرّعية وَالِاسْتِمَاع إِلَى مطالبها والبت فِي أهم الشكاوى الَّتِي تعرض عَلَيْهِ وإصدار حكمه فِيهَا فَمَا إِن يشيع فِي المملكة بِأَن الْملك يَسْتَدْعِي إِلَيْهِ المتظلمين وطلاب الْعدْل يَوْمَيْنِ أسبوعيا ليستمع إِلَى مطالبهم وتظلماتهم حَتَّى يخَاف الظَّالِمُونَ فيكفوا أَيْديهم عَن النَّاس وَلَا يَجْرُؤ أحد على الظُّلم والتمادي خشيَة الْعقَاب
حِكَايَة فِي هَذَا الْمَعْنى
قَرَأت فِي كتب الْمُتَقَدِّمين أَن أَكثر مُلُوك الْعَجم كَانُوا يُقِيمُونَ دكة مُرْتَفعَة فِي العراء ويقفون عَلَيْهَا ممتطين الْجِيَاد ليتمكنوا من رُؤْيَة جَمِيع المتظلمين الَّذين كَانُوا يَجْتَمعُونَ هُنَاكَ لإنصافهم وَكَانَ سَبَب هَذَا أَن الْملك كَانَ يجلس فِي مَكَان موصدة أبوابه وَهُوَ البلاط حَيْثُ الدهاليز والحجب والحجاب مِمَّا يُمكن ذَوي الْأَهْوَاء والظالمين من الْحَيْلُولَة دون وُصُول المتظلم إِلَيْهِ
حِكَايَة أُخْرَى
وَسمعت أَن أحد الْمُلُوك كَانَ ثقيل السّمع فَكَانَ يظنّ أَن النقلَة والحجاب لَا ينقلون إِلَيْهِ شكاوى المتظلمين فِي صدق ودقة مِمَّا كَانَ يحملهُ على إصدار أَحْكَامه وأوامره بِخِلَاف مقتضيات الْأُمُور لذا أَمر بِوُجُوب ارتداء المتظلمين ثيابًا حَمْرَاء على أَن لَا يرتدي غَيرهم مثلهَا حَتَّى يعرفهُمْ ثمَّ كَانَ يجلس على فيل فِي الصَّحرَاء وينادي كل من يرَاهُ بِثَوْبِهِ الْأَحْمَر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute