وَيجب الاستفسار عَن أَحْوَال الوزراء سرا لمعْرِفَة مَا إِذا كَانُوا يَسِيرُونَ الامور على النَّحْو الصَّحِيح أم لَا لَان صَلَاح الْملك والمملكة أَو فسادهما منوطة بهم فباستقامة الْوَزير وَحسن مسلكه إعمار للمملكة وتقدمها وإسعاد للرعية والجيش ورفاههما وراحة الْملك واطمئنانه وبانحراف الْوَزير يتسرب التصدع الَّذِي لَا يُمكن رأبه الى المملكة فتظل فِي اضْطِرَاب دَائِم ويظل الْملك حيران مضطربا
بهْرَام جور والوزير الخائن
يُقَال انه كَانَ لبهرام جور وَزِير يدعى راست روشن اعْتمد عَلَيْهِ وَسلمهُ كل مقاليد المملكة وَلم يكن يلْتَفت لكَلَام أحد فِيهِ أما هُوَ نَفسه فَكَانَ يجْرِي ليل نَهَار وَرَاء ملذاته من تنزه وصيد وشراب وَحدث أَن قَالَ راست روشن لوكيل بهْرَام جور مرّة ان الرّعية أخذُوا لِكَثْرَة عدلنا يتجرأون علينا ويتمادون فَإِذا لم يعاقبوا فإنني أخْشَى وَالْملك فِي شغل بِالشرابِ وَالصَّيْد عَن شؤون الرّعية أَن يحدث مَالا تحمد عقباه فلتعاقبهم أَنْت إِذن قبل أَن يفسدوا وعقابهم إِنَّمَا يكون بِأحد امرين أَحدهمَا التَّخَلُّص من الأشرار وَالْآخر غصب أَمْوَال الأخيار والفضلاء ولتقبض على من أُشير عَلَيْك بِهِ وَأخذ راست روشن كلما قبض وَكيل بهْرَام على أحد وحبسه يتدخل شخصيا وَيَأْخُذ مِنْهُ رشوة وَيَقُول للْوَكِيل أطلق سراح هَذَا إِلَى أَن نهبوا كل مَا كَانَ لَدَى النَّاس من أَمْوَال وخيول وغلمان وَجوَار وأملاك وضياع فأفقرت الرّعية وشتت الْفُضَلَاء والمشاهير وَلم يعد يدْخل الخزانة من شَيْء
بعد مُضِيّ فَتْرَة على هَذَا طلع لبهرام جور أحد أعدائه فَأَرَادَ أَن يصل جَيْشه بصلات وهبات ويقويه ثمَّ يوجهه لمقابلة عدوه لكنه لما صَار الى الخزانه لم يجد فِيهَا شَيْئا وَلما سَأَلَ مشاهير الْمَدِينَة ورستاق الْبِلَاد ورؤسائهما قَالُوا لقد ترك فلَان وَفُلَان ممتلكاتهم وثروتهم مُنْذُ سنوات ومضوا إِلَى الْولَايَة الْفُلَانِيَّة فَقَالَ لماذا قَالُوا لَا نَدْرِي وَلم يَجْرُؤ أحد على أَن يَقُول لَهُ الْحَقِيقَة خوفًا من الْوَزير
وَقضى بهْرَام جور يَوْمه وَلَيْلَته تِلْكَ يفكر فِي الْأَمر لكنه لم يسْتَطع الاهتداء إِلَى مَوَاطِن الْخلَل فَركب فِي الْيَوْم التَّالِي لقلقه واضطرابه إِلَى الصَّحرَاء وحيدا وَرَاح يقطعهَا بالتفكير حَتَّى أَنه لم يدر كَيفَ أَن الشَّمْس توسطت كبد السَّمَاء وَكَيف أَنه قطع سِتَّة أَو سَبْعَة فراسخ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحر وغلبه الْعَطش فَاحْتَاجَ إِلَى جرعة مَاء وَلما مد بَصَره فِي الصَّحرَاء رأى دخانا يتصاعد من بعيد فَقَالَ لَا بُد من وجود أنَاس هُنَاكَ واتجه