الْفَصْل السَّابِع عشر
فِي ندماء الْملك ومقربيه وتنظيم أُمُورهم
لَا مندوحة للْملك من اتِّخَاذ الندماء الْأَكفاء مِمَّن ينْطَلق مَعَهم على سجيته ويطارحهم مَا يُرِيد دونما حرج ذَلِك أَن مجالسة الْمُلُوك الكبراء وحكام الْأَطْرَاف وقادة الْجَيْش كثيرا تُؤثر فِي هيبتهم وعظمتهم وتقديرهم وتزيد من جسارة أُولَئِكَ مَعَهم
وَجُمْلَة القَوْل أَن على الْمُلُوك أَلا يتخذوا ندماءهم مِمَّن أسندوا إِلَيْهِم مناصب ومقامات وأعمالا وَألا يسندوا للنداماء أَي عمل أبدا لأَنهم بِمَا لَهُم فِي رحاب الْملك من حظوة قد يتطاولون ويتسببون فِي إِيذَاء النَّاس وإرهاقهم
الْعَامِل يَنْبَغِي أَن يهاب الْملك دَائِما أما النديم فجراته وجسارته مَعَه مرغوبة وَإِلَّا فَإِن الْملك لَا يَسْتَطِيب منادمته وَلَا يهش لَهَا فطبع الْملك ينبسط بالندامى وللندماء اوقات مَعْلُومَة فَبعد انفضاض اجْتِمَاع الْملك بالكبراء وإنصرافهم من عِنْده يبْدَأ دور الندامى
وللنديم فَوَائِد عدَّة أَولهَا إيناس الْملك وَثَانِيها أَن النديم بِحكم وجوده مَعَ الْملك ليل نَهَار يكون بِمَثَابَة الحامي لَهُ والذائد عَنهُ والمحافظ عَلَيْهِ فَإِذا مَا حاق بِهِ وَالْعِيَاذ بِاللَّه خطر مَا فَإِن النديم لَا يخْشَى أَن يَجْعَل من نَفسه درعا يدرؤه بهَا وَثَالِثهَا أَنه يُمكن للْملك تقليب الحَدِيث بجده وهزله مَعَ النديم فِي حِين يتَعَذَّر مثل هَذَا مَعَ الوزراء والكبراء لأَنهم أَصْحَاب مناصب ومقامات وعمال الْملك وَرَابِعهَا واخرها أَنه بِحكم جرْأَة الندامى وجسارتهم يُمكن الِاسْتِمَاع مِنْهُم إِلَى أَشْيَاء كَثِيرَة وَمَعْرِفَة أُمُور وأحوال عديدة من خير وَشر فِي صحو وسكر مِمَّا لَا يَخْلُو من الْفَائِدَة والصالح الْعَام
لَكِن يَنْبَغِي أَن يكون النديم كريم الْمَعْدن فَاضلا وسيما نقي الْمَذْهَب حَافِظًا للسر نظيف الملبس عَارِفًا بِكَثْرَة للأسمار والقصص والنوادر هزليها وجديها حسن الرِّوَايَة يعرف لكل مقَام مقاله مجيدا للعب النَّرْد وَالشطْرَنْج وحبذا لَو أَنه يجيد الْغناء
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute