الرسائل الَّتِي تصدر عَن البلاط كَثِيرَة وَكلما كثرت فقدت حرمتهَا فَإِذا لم يكن ثمَّة أَمر هام يَنْبَغِي أَلا يصدر عَن الدِّيوَان العالي أَمر خطي الْبَتَّةَ وَإِذا مَا صدر شَيْء يجب أَن تكون لَهُ حرمته إِلَى حد لَا يَجْرُؤ مَعَه أحد على وَضعه من يَده قبل ان يُطِيع كل مَا فِيهِ من أوَامِر ويلبيها وَإِذا مَا وجد من ينظر إِلَيْهِ بِعَين الاحتقار أَو ينبذه ظهريا فَيَنْبَغِي أَن يُعَاقب عقَابا شَدِيدا وَلَو كَانَ من المقربين فَالْفرق بَين الْملك وَغَيره من المستقطعين وَالنَّاس هُوَ تَنْفِيذ أوامره وإجراء أَحْكَامه
حِكَايَة فِي هَذَا الْمَعْنى
السُّلْطَان مَحْمُود وعامل نيسابور العَاصِي
قيل ذهبت امْرَأَة من نيسابور إِلَى غزنين وَدخلت على السُّلْطَان مَحْمُود فشكت إِلَيْهِ قائلة إِن عَامل نيسابور استولى على ضياعي وَضمّهَا إِلَيْهِ فاعطاها السُّلْطَان رِسَالَة إِلَيْهِ تَقول رد إِلَيْهَا ضياعها فَقَالَ الْعَامِل الَّذِي كَانَ مَعَه سَنَد بالضياع ان الضّيَاع ضياعي وسأعرض أمرهَا على البلاط فَعَادَت الْمَرْأَة إِلَى غزنين متظلمة من جَدِيد فَأرْسل مَحْمُود هَذِه الْمرة إِلَى الْعَامِل غُلَاما أحضرهُ من نيسابور إِلَى غزنين وَأمر بجلده ألف جلدَة عِنْد مدْخل الْقصر لقد حاول دون جدوى التشفع بشرَاء تِلْكَ الجلدات بِعشْرين ألف دِينَار نيسابوري لَكِن السُّلْطَان قَالَ لَهُ مَا دَامَت الضّيَاع ملكك فَلم لم تصدع لِلْأَمْرِ أَولا ثمَّ تعرض الْمَسْأَلَة لنأمر مَا نرَاهُ حَقًا فِيهَا فَمَا ان سمع النَّاس الْخَبَر لم يتجرأ أحد على عصيان أوَامِر الْملك أَو التواني فِي نتفيذها