للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثمَّ أَمر الْأَمِير بإيداع اخرين قبض عَلَيْهِم بجرائم مُخْتَلفَة السجْن للبت فِي أُمُورهم والتثبت مِنْهَا ونهض وَمضى إِلَى حجرته ثمَّ تفرق النَّاس وَعَاد الْخَادِم إِلَى النديم وحدثه بِكُل مَا رأى

وَفِي صباح الْيَوْم التَّالِي الباكر مضى الْخَادِم إِلَى سراي أَمِير الحرس الكهل وَجلسَ ينْتَظر فَأخذ النَّاس وأعوانه يتوافدون وَاحِدًا تلو اخر حَتَّى غص السراي بهم وَلما طلعت الشَّمْس وَارْتَفَعت فِي السَّمَاء خرج الْأَمِير من حجرته وَجلسَ للنَّاس مقطب الحاجبين متهدل الْعَينَيْنِ وَكَأَنَّهُ كَانَ يقتل ملاكا طوال ليله ووقف أعوانه امامه وَلم يكن يرد التَّحِيَّة على من يحييه وَإِذا مَا اتّفق ورد على أحدهم فَكَأَنَّهُ فِي حنق عَلَيْهِ

وَانْقَضَت فَتْرَة ثمَّ سَأَلَ أأحضر أحد فَقيل لَهُ فَتى قبض عَلَيْهِ سَكرَان فَاقِد الوعي لَيْلَة أمس قَالَ إِلَيّ بِهِ فَأتي بِهِ وَلما وَقعت عَيناهُ عَلَيْهِ قَالَ أَهَذا هُوَ قَالُوا أجل قَالَ كنت أبحث عَنهُ مُنْذُ مُدَّة طَوِيلَة انه ابْن حرَام مُفسد شرير لص قَاطع طَرِيق عربيد لَا يخْشَى الله مثير للفتنة وَلَا مثيل لَهُ بِبَغْدَاد يَنْبَغِي أَلا يَكْتَفِي بِإِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ إِنَّمَا يجب ضرب عُنُقه لم يكن لَهُ من عمل ليل نَهَار سوى مطاردة ابناء النَّاس يسيء إِلَى سمعة الصّبيان حينا ويلطخ سمعة النِّسَاء حينا اخر وَلم يكن يمر يَوْم دون أَن يَأْتِي إِلَيّ عشرَة مِنْهُم يشكونه ويتذمرون من شَره إِنَّنِي لفي طلبه مُنْذُ وَقت طَوِيل لقد قَالَ الْأَمِير كثيرا من هَذَا حَتَّى ان القتى رغب فِي أَن يضْربُوا عُنُقه تخلصا من كام لِسَانه ثمَّ أَمر الْأَمِير بإحضار بضعَة سياط جَيِّدَة وَقَالَ ألقوه على الأَرْض وأجلسوا على رَأسه وَرجلَيْهِ واجلدوه أَرْبَعِينَ سَوْطًا بِنَحْوِ يعَض فِيهِ الأَرْض باسنانه

وَلما كَانُوا يرغبون فِي إِيدَاع الْفَتى السجْن بعد جلده حضر مَا يَرْبُو على خمسين رجلا من الوجهاء المعروفين فَشَهِدُوا لَهُ بالصلاح والستر والمروءة وكرم الضِّيَافَة وَحسن السِّيرَة والاعتقاد وتشفعوا لَهُ بالإفراج عَنهُ بعد جلده على أَن يقدم هَدِيَّة أَيْضا تغير أَن الْأَمِير لم يحفظ لَهُم حُرْمَة وَلم يعرهم اهتماما وأودعه السجْن فعادوا وهم عَلَيْهِ ساخطون حاقدون وَالنَّاس يدعونَ عَلَيْهِ ويلعنونه ونهض وَصَارَ إِلَى حجرته وَعَاد الْخَادِم النديم فَأطلع سَيّده على كل مَا جرى

<<  <   >  >>