والصين الْأَقْصَى واليمن والحبشة وبلاد البربر وَأَرْض النّوبَة ولكانت لَك ثمَّة أَشْيَاء فِي الْمغرب وَالشَّام والشامات والأندلس إِلَى القيروان ولحطت لَك الرّوم عَصا الطَّاعَة ان عدد ولايات كل ملك رهن بِعَدَد جَيْشه تكْثر بكثرته وتقل بقلته وَكلما قل عدد الْجَيْش تناقص عدد الولايات وَبِالْعَكْسِ
انه لَا يخفى على الرَّأْي السَّامِي أَنه حِين يحْتَفظ بسبعين ألف رجل من أَرْبَعمِائَة ألف وتنسخ أَسمَاء الاخرين من الدِّيوَان ان هَذَا الْعدَد الْأَخير على كل حَال أَكثر من الْعدَد الأول ان الثلاثمائة وَالثَّلَاثِينَ ألف رجل وَكلهمْ حَملَة سيوف إِذا مَا فقدوا الأمل فِي هَذِه الدولة فإمَّا أَن يفزعوا إِلَى أَمِير أَو ملك اخر وَإِمَّا ان ينتخبوا رَئِيسا لَهُم فيجروا على الدولة من الويلات والمتاعب مَا يستنزف كل مَا تجمع فِي خزائنها لسنوات عدَّة دونما اطمئنان إِلَى عواقب الْأُمُور الممالك لَا تصان إِلَّا بِالرِّجَالِ وَالرِّجَال لَا يحفظهم إِلَّا المَال أما من يَقُول للْملك صن الذَّهَب وسرح الرِّجَال فَلَيْسَ هُوَ فِي الْحَقِيقَة إِلَّا عَدو الْملك لَا يَبْغِي سوى دمار الْملك وفساده فالأموال لم تجمعها غير أَيدي الرِّجَال يَنْبَغِي أَلا يصغى إِلَى كَلَام ذَلِك الرجل أَو يلْتَفت إِلَيْهِ
إِن العاطلين والمحرومين من الْعمَّال فِي مزاجهم سَوَاء فَإِذا مَا كَانَت لبَعْضهِم مناصب كَبِيرَة فِي الدولة الَّتِي أَدّوا فِيهَا أعمالا هَامة فعرفوا بهَا واشتهروا وَأصْبح لَهُم على الدولة حق الْخدمَة فَلَيْسَ صَحِيحا أَن تتجاهل حُقُوقهم وَأَن يظلوا محرومين متروكين دون أَن ينالوا نصِيبهم أَو يسند إِلَيْهِم أَي عمل وَلَيْسَ هَذَا من الْمُرُوءَة والمصلحة فِي شَيْء بل الْوَاجِب أَن يولوا اعمالا أَو يمنحوا مَا يُمكنهُم من أَن يعيشوا بِهِ عَيْش الكفاف لتقضى لَهُم بِهَذَا بعض حُقُوقهم وينالوا نصِيبهم فِي الدولة
وثمة فريق من أهل الْعلم وَالْفضل والمروءة والشرف مِمَّن لَهُم فِي بَيت المَال نصيب وَمِمَّنْ يسْتَحقُّونَ الاهتمام وتولي المناصب فَلَا هم يولون عملا وَلَا هم واجدون فِي الدولة اهتماما ونفعا وَلَا حَتَّى عَيْشًا انهم إِذا مَا ظلوا محرومين لَا نصيب لَهُم فِي الدولة ودالت الْأَيَّام إِلَى عهد يصبح كل أعوان الْملك فِيهِ من الجهلة والفاسدين الَّذين لَا يطلعونه على أَحْوَال هَؤُلَاءِ الْمُسْتَحقّين وَلَا يولون العاملين مِنْهُم أعمالا وَلَا يجرونَ على الشرفاء وَالْعُلَمَاء جرايات أَو يُؤمنُونَ لَهُم سبل معيشتهم فَإِنَّهُم يفقدون حِينَئِذٍ أملهم فِي الدولة