وأما الثالث: فلا يصح مرفوعًا؛ لأنه متناقض وذلك لأنه حكم على الطواف أن له حكم الصلاة واستثنى من ذلك شيئًا واحدًا وهو الكلام فيفهم منه أن الأحكام الباقية ثابتة للطواف وهذا لم يقل به أحد، فالضحك يجوز في الطواف ولا يجوز في الصلاة، والأكل والشرب والالتفات يجوز في الطواف ولا يجوز في الصلاة، وكلام المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لا يمكن أن يتناقض أبدًا،وزيادةً على ذلك فهذا الحديث في سنده مقال عريض، ويقال في حديث:(أحابستنا هي) ما قيل في حديث عائشة: (افعلي ما يفعل الحاج) ؛ ولأن الشروط في العبادة مبناها على التوقف إلا بدليل، والطهارة للطواف إنما دل الدليل على استحبابها دون اشتراطها فالأصل عدم الاشتراط واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وهو قول قوي لاسيما وأنه قد اعتمر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وحج معه جم غفير وجمع كبير طافوا معه وسعوا وأخذوا عنه مناسكهم ولم ينقل لنا أحد منهم أنه أمر بالوضوء للطواف فلو كان ذلك شرطاً لأمر به، ولو أمر به لتوفرت الهمم على نقله كما نقل غيره، لكن لما لم يثبت شيء من ذلك دل على أن الطهارة لا تشترط وإنما هي من باب الاستحباب، والله أعلم.
وخلاصة الكلام أن يقال: إن الأصل في العبادة هو الإطلاق عن جميع الشروط إلا بدليل فمن ربط صحة عبادة – أي عبادة - بشرطٍ – أي شرط – فقد خالف الأصل فيطالب بالدليل المصحح لذلك فإن جاء به فعلى العين والرأس، وإن لم يكن ثمة دليل فلا ولا كرامة فهذا هو الكلام عن الشق الأول من القاعدة.